وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)

يخبر تعالى عن قدوم رسله من الملائكة بعد ما أعلموا إبراهيم بهلاكهم ، وفارقوه وأخبروه بإهلاك الله قوم لوط هذه الليلة . فانطلقوا من عنده ، فأتوا لوطا عليه السلام ، وهو - على ما قيل - في أرض له [ يعمرها ] ، وقيل : [ بل كان ] في منزله ، ووردوا عليه وهم في أجمل صورة تكون ، على هيئة شبان حسان الوجوه ، ابتلاء من الله [ واختبارا ] وله الحكمة والحجة البالغة ، [ فنزلوا عليه ] فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم ، وخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم أحد من قومه ، فينالهم بسوء ، ( وقال هذا يوم عصيب ) .
قال ابن عباس [ ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق ] وغير واحد [ من الأئمة ] شديد بلاؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع [ قومه ] عنهم ، ويشق عليه ذلك .
وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له [ يعمل فيها ] فتضيفوه فاستحيا منهم ، فانطلق أمامهم وقال لهم في أثناء الطريق ، كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه : إنه والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء . ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم ، حتى كرره أربع مرات ، قال قتادة : وقد كانوا أمروا ألا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك .
وقال السدي : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فبلغوا نهر سدوم نصف النهار ، ولقوا بنت لوط تستقي [ من الماء لأهلها وكانت له ابنتان اسم الكبرى رثيا والصغرى زغرتا ] فقالوا [ لها ] يا جارية ، هل من منزل ؟ فقالت [ لهم ] مكانكم حتى آتيكم ، وفرقت عليهم من قومها ، فأتت أباها فقالت : يا أبتاه ، أدرك فتيانا على باب المدينة ، ما رأيت وجوه قوم [ هي ] أحسن منهم ، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم ، و [ قد ] كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا : خل عنا فلنضف الرجال . فجاء بهم ، فلم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته فخرجت امرأته فأخبرت قومها [ فقالت : إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط ] ، فجاءوا يهرعون إليه .
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)

قوله تعالى : ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم لما خرجت الملائكة من عند إبراهيم ، وكان بين إبراهيم وقرية لوط أربعة فراسخ بصرت بنتا لوط - وهما تستقيان - بالملائكة ورأتا هيئة حسنة ، فقالتا : ما شأنكم ؟ ومن أين أقبلتم ؟ قالوا : من موضع كذا نريد هذه القرية قالتا : فإن أهلها أصحاب الفواحش ; فقالوا : أبها من يضيفنا ؟ قالتا : نعم ! هذا الشيخ وأشارتا إلى لوط ; فلما رأى لوط هيئتهم خاف قومه عليهم .
سيء بهم أي ساءه مجيئهم ; يقال : ساء يسوء فهو لازم ، وساءه يسوءه فهو متعد أيضا ، وإن شئت ضممت السين ; لأن أصلها الضم ، والأصل سوئ بهم من السوء ; قلبت حركة الواو على السين فانقلبت ياء ، وإن خففت الهمزة ألقيت حركتها على الياء فقلت : سيء بهم مخففا ، ولغة شاذة بالتشديد .
وضاق بهم ذرعا أي ضاق صدره بمجيئهم وكرهه . وقيل : ضاق وسعه وطاقته . وأصله أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه ; فإذا حمل على أكثر من طوقه ضاق عن ذلك ، وضعف ومد عنقه ; فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع . وقيل : هو من ذرعه القيء أي غلبه ; أي ضاق عن حبسه المكروه في نفسه ، وإنما ضاق ذرعه بهم لما رأى من جمالهم ، وما يعلم من فسق قومه .
وقال هذا يوم عصيب أي شديد في الشر . وقال الشاعر :
وإنك إلا ترض بكر بن وائل يكن لك يوم بالعراق عصيب
وقال آخر :
يوم عصيب يعصب الأبطالا عصب القوي السلم الطوالا
ويقال : عصيب وعصبصب على التكثير ; أي مكروه مجتمع الشر وقد عصب ; أي عصب بالشر عصابة ، ومنه قيل : عصبة وعصابة أي مجتمعو الكلمة ; أي مجتمعون في أنفسهم . وعصبة الرجل المجتمعون معه في النسب ; وتعصبت لفلان صرت كعصبته ، ورجل معصوب ، أي مجتمع الخلق .
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)

قوله تعالى : ( ولما جاءت رسلنا ) يعني هؤلاء الملائكة ، ( لوطا ) على صورة غلمان مرد حسان الوجوه ، ( سيء بهم ) أي : حزن لوط بمجيئهم ، يقال : سؤته فسيء ، كما يقال : سررته فسر . ( وضاق بهم ذرعا ) أي : قلبا . يقال : ضاق ذرع فلان بكذا : إذا وقع في مكروه لا يطيق الخروج منه ، وذلك أن لوطا عليه السلام لما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشة ، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عنهم .
( وقال هذا يوم عصيب ) أي : شديد كأنه عصب به الشر والبلاء ، أي : شد . قال قتادة والسدي : خرجت الملائكة من عند إبراهيم عليه السلام نحو قرية لوط فأتوا لوطا نصف النهار ، وهو في أرض له يعمل فيها .
وقيل : إنه كان يحتطب . وقد قال الله تعالى لهم : لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فاستضافوه فانطلق بهم ، فلما مشى ساعة قال لهم : ما بلغكم أمر أهل هذه القرية؟ قالوا : وما أمرهم؟ قال : أشهد بالله إنها لشر قرية في الأرض عملا . يقول ذلك أربع مرات ، فدخلوا معه منزله .
وروي : أنه حمل الحطب وتبعته الملائكة فمر على جماعة من قومه فغمزوا فيما بينهم ، فقال لوط : إن قومي شر خلق الله ، ثم مر على قوم آخرين ، فغمزوا ، فقال مثله ، ثم مر بقوم آخرين فقال مثله ، فكان كلما قال لوط هذا القول قال جبريل للملائكة : اشهدوا ، حتى أتى منزله .
وروي : أن الملائكة جاءوا إلى بيت لوط فوجدوه في داره ولم يعلم بذلك أحد إلا أهل بيت لوط ، فخرجت امرأته فأخبرت قومها ، وقالت : إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features