إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)

أي : عدلتم عن النساء ، وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال ، وهذا إسراف منكم وجهل ; لأنه وضع الشيء في غير محله ; ولهذا قال لهم في الآية الأخرى : ( [ قال ] هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ) [ الحجر : 71 ] فأرشدهم إلى نسائهم ، فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن ، ( قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ) [ هود : 79 ] أي : لقد علمت أنه لا أرب لنا في النساء ، ولا إرادة ، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك .
وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعض ، وكذلك نساؤهم كن قد استغنى بعضهن ببعض أيضا .
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)

قوله تعالى إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون
قوله تعالى : إنكم قرأ نافع وحفص على الخبر بهمزة واحدة مكسورة ، تفسيرا للفاحشة المذكورة ، فلم يحسن إدخال الاستفهام عليه ; لأنه يقطع ما بعده مما قبله . وقرأ الباقون بهمزتين على لفظ الاستفهام الذي معناه التوبيخ ، وحسن ذلك ; لأن ما قبله بعده كلام مستقل . واختار الأول أبو عبيد والنسائي وغيرهما ; واحتجوا بقوله عز وجل : أفإن مت فهم الخالدون ولم يقل " أفهم " . وقال : أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ولم يقل أنقلبتم . وهذا من أقبح الغلط لأنهما شبها شيئين بما لا يشتبهان ; لأن الشرط وجوابه بمنزلة شيء واحد كالمبتدأ والخبر ; فلا يجوز أن يكون فيهما استفهامان . فلا يجوز : أفإن مت أفهم ، كما لا يجوز أزيد أمنطلق .
وقصة لوط عليه السلام فيها جملتان ، فلك أن تستفهم عن كل واحدة منهما . هذا قول الخليل وسيبويه ، واختاره النحاس ومكي وغيرهما .
شهوة نصب على المصدر ، أي تشتهونهم شهوة . ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال . بل أنتم قوم مسرفون نظيره بل أنتم قوم عادون في جمعكم إلى الشرك هذه الفاحشة .
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)

( إنكم ) قرأ أهل المدينة وحفص ( إنكم ) بكسر الألف على الخبر ، وقرأ الآخرون على الاستئناف ، ( لتأتون الرجال ) في أدبارهم ، ( شهوة من دون النساء ) فسر تلك الفاحشة يعني أدبار الرجال أشهى عندكم من فروج النساء ، ( بل أنتم قوم مسرفون ) مجاوزون الحلال إلى الحرام .
قال محمد بن إسحاق : كانت لهم ثمار وقرى لم يكن في الأرض مثلها فقصدهم الناس فآذوهم ، فعرض لهم إبليس في صورة شيخ ، فقال : إن فعلتم بهم كذا نجوتم ، فأبوا فلما ألح عليهم الناس قصدوهم فأصابوهم غلمانا صباحا ، فأخذوهم وقهروهم على أنفسهم فأخبثوا واستحكم ذلك فيهم . قال الحسن : كانوا لا ينكحون إلا الغرباء .
وقال الكلبي : إن أول من عمل عمل قوم لوط إبليس ، لأن بلادهم أخصبت فانتجعها أهل البلدان ، أي : فتمثل لهم إبليس في صورة شاب ، ثم دعا إلى دبره ، فنكح في دبره ، فأمر الله تعالى السماء أن تحصبهم وأمر الأرض أن تخسف بهم .
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)

ثم بينها بقوله: { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ْ} أي: كيف تذرون النساء اللاتي خلقهن اللّه لكم، وفيهن المستمتع الموافق للشهوة والفطرة، وتقبلون على أدبار الرجال، التي هي غاية ما يكون في الشناعة والخبث، ومحل تخرج منه الأنتان والأخباث، التي يستحيي من ذكرها فضلا عن ملامستها وقربها، { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ْ} أي: متجاوزون لما حده اللّه متجرئون على محارمه.
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)

القول في تأويل قوله : إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)
قال أبو جعفر : يخبر بذلك تعالى ذكره عن لوط أنه قال لقومه، توبيخًا منه لهم على فعلهم: إنكم ، أيها القوم ، لتأتون الرجال في أدبارهم، شهوة منكم لذلك، من دون الذي أباحه الله لكم وأحلَّه من النساء=(بل أنتم قوم مسرفون ) ، يقول: إنكم لقوم تأتون ما حرَّم الله عليكم ، وتعصونه بفعلكم هذا.
* * *
وذلك هو " الإسراف " ، في هذا الموضع. (14)
* * *
و " الشهوة " ،" الفَعْلة "، وهي مصدر من قول القائل: " شَهَيتُ هذا الشيء أشهاه شهوة " ومن ذلك قول الشاعر: (15)
وأَشْـعَثَ يَشْهَى النَّوْمَ قُلْتُ لَهُ: ارْتَحِلْ!
إذَا مَـا النُّجُـومُ أَعْـرَضَتْ وَاسْبَطَرَّتِ (16)
فَقَــامَ يَجُـرُّ الـبُرْدَ , لَـوْ أَنَّ نَفْسَـهُ
يُقَـالُ لَـهُ : خُذْهَـا بِكَـفَّيْكَ! خَـرَّتِ (17)
------------------------
الهوامش:
(14) انظر تفسير"الإسراف" فيما سلف: ص: 395 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(15) م أعرف قائله.
(16) البيت الأول في اللسان (شهى) ، ورواية اللسان: "واسْبَكَرَّتْ".
وقوله: "وأشعث" ، يعني رفيقه في السفر ، طال عليه السفر ، فاغبر رأسه ، وتفرق شعره من ترك الأدهان. و"اسبطرت النحوم" ، امتدت واستقامت وأسرعت في مسبحها. و"اسبكرت" ، مثلها.
(17) "خرت" ، أي سقطت وتقوضت وهوت ، وكان في المطبوعة: "جرت" بالجيم ، وهو خطأ صرف.
وهذا البيت الثاني ، ورد مثله في شعر الأخطل ، قال:
وَأَبْيَـضَ لا نَكْـسٍ وَلا وَاهِـنِ القُـوَى
سَـقَيْنَا ، إِذَا أُولَـى العَصَـافِيرِ صَرَّتِ
حَبَسْـتُ عَلَيْـهِ الكَـأْسَ غَـيْرَ بَطِيئَـةٍ
مِـنَ اللَّيْـلِ ، حَـتَّى هَرَّهَـا وَأَهَـرَّتِ
فَقَــامَ يَجُـرُّ الـبُرْدَ ، لَـوْ أَنَّ نَفْسَـهُ
بِكَفَّيْــهِ مِـــنْ رَدِّ الحُمَيَّـا لَخَـرَّتِ
وَأَدْبَـرَ ، لَوْ قِيلَ : اتَّقِ السَّيْفَ !لَمْ تُخَلْ
ذُؤَابَتُــهُ مِــنْ خَشْــيَةٍ إِقْشَـعَرَّتِ
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features