وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)

لما ذكر تعالى أنه خالق السماوات والأرض ، وأنه المتصرف الحاكم المدبر المسخر ، وأرشد إلى دعائه; لأنه على ما يشاء قادر - نبه تعالى على أنه الرزاق ، وأنه يعيد الموتى يوم القيامة فقال : " وهو الذي يرسل الرياح نشرا " أي : ناشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر ، ومنهم من قرأ ) بشرا ) كقوله ( ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ) [ الروم : 46 ] .
وقوله : ( بين يدي رحمته ) أي : بين يدي المطر ، كما قال : ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ) [ الشورى : 28 ] وقال ( فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ) [ الروم : 50 ] .
وقوله : ( حتى إذا أقلت سحابا ثقالا ) أي : حملت الرياح سحابا ثقالا أي : من كثرة ما فيها من الماء ، تكون ثقيلة قريبة من الأرض مدلهمة ، كما قالزيد بن عمرو بن نفيل ، رحمه الله :
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا وأسلمت وجهي لمن أسلمت
له الأرض تحمل صخرا ثقالا .
وقوله : ( سقناه لبلد ميت ) أي : إلى أرض ميتة ، مجدبة لا نبات فيها ، كما قال تعالى : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ) [ يس : 33 ] ; ولهذا قال : ( فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى ) أي : كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها ، كذلك نحيي الأجساد بعد صيرورتها رميما يوم القيامة ، ينزل الله ، سبحانه وتعالى ، ماء من السماء ، فتمطر الأرض أربعين يوما ، فتنبت منه الأجساد في قبورها كما ينبت الحب في الأرض . وهذا المعنى كثير في القرآن ، يضرب الله مثلا للقيامة بإحياء الأرض بعد موتها; ولهذا قال : ( لعلكم تذكرون ) .
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)

قوله تعالى : ( وهو الذي يرسل الرياح بشرا ) قرأ عاصم " بشرا " بالباء وضمها وسكون الشين هاهنا وفي الفرقان وسورة النمل ، ويعني : أنها تبشر بالمطر بدليل قوله تعالى : ( الرياح مبشرات ) الروم - 46 ، وقرأ حمزة والكسائي " نشرا " بالنون وفتحها ، وهي الريح الطيبة اللينة ، قال الله تعالى : ( والناشرات نشرا ) المرسلات - 3 ، وقرأ ابن عامر بضم النون وسكون الشين ، وقرأ الآخرون بضم النون والشين ، جمع نشور ، مثل صبور وصبر ورسول ورسل ، أي : متفرقة وهي الرياح التي تهب من كل ناحية ( بين يدي رحمته ) أي : قدام المطر .
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنبأنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنبأنا أبو العباس الأصم أنبأنا الربيع أنبأنا الشافعي أنبأنا الثقة عن الزهري عن ثابت بن قيس عن أبي هريرة قال : أخذت الناس ريح بطريق مكة وعمر حاج فاشتدت ، فقال عمر رضي الله عنه لمن حوله : ما بلغكم في الريح فلم يرجعوا إليه شيئا ، فبلغني الذي سأل عمر عنه من أمر الريح فاستحثثت راحلتي حتى أدركت عمر رضي الله عنه ، وكنت في مؤخر الناس ، فقلت : يا أمير المؤمنين أخبرت أنك سألت عن الريح وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الريح من روح الله تأتي بالرحمة وبالعذاب فلا تسبوها ، وسلوا الله من خيرها وتعوذوا به من شرها " ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بإسناده .
( حتى إذا أقلت ) حملت الرياح ( سحابا ثقالا ) بالمطر ، ( سقناه ) ورد الكناية إلى السحاب ، ( لبلد ميت ) أي : إلى بلد ميت محتاج إلى الماء ، وقيل : معناه لإحياء بلد ميت لا نبات فيه ( فأنزلنا به ) أي : بالسحاب . وقيل : بذلك البلد الميت ( الماء ) يعني : المطر ، ( فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى ) استدل بإحياء الأرض بعد موتها على إحياء الموتى ، ( لعلكم تذكرون ) قال أبو هريرة وابن عباس : إذا مات الناس كلهم في النفخة الأولى أرسل الله عليهم مطرا كمني الرجال من ماء تحت العرش يدعى ماء الحيوان ، فينبتون في قبورهم نبات الزرع حتى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيهم الروح ، ثم يلقي عليهم النوم فينامون في قبورهم ، ثم يحشرون بالنفخة الثانية وهم يجدون طعم النوم في رءوسهم وأعينهم ، فعند ذلك يقولون : ( يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ) يس - 52 .
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)

يبين تعالى أثرا من آثار قدرته، ونفحة من نفحات رحمته فقال: { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي: الرياح المبشرات بالغيث، التي تثيره بإذن اللّه من الأرض، فيستبشر الخلق برحمة اللّه، وترتاح لها قلوبهم قبل نزوله. { حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ } الرياح { سَحَابًا ثِقَالًا } قد أثاره بعضها، وألفه ريح أخرى، وألحقه ريح أخرى { سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ } قد كادت تهلك حيواناته، وكاد أهله أن ييأسوا من رحمة اللّه، { فَأَنْزَلْنَا بِهِ } أي: بذلك البلد الميت { الْمَاءُ } الغزير من ذلك السحاب وسخر اللّه له ريحا تدره وتفرقه بإذن اللّه. { فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } فأصبحوا مستبشرين برحمة اللّه، راتعين بخير اللّه، وقوله: { كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي: كما أحيينا الأرض بعد موتها بالنبات، كذلك نخرج الموتى من قبورهم، بعد ما كانوا رفاتا متمزقين، وهذا استدلال واضح، فإنه لا فرق بين الأمرين، فمنكر البعث استبعادا له - مع أنه يرى ما هو نظيره - من باب العناد، وإنكار المحسوسات. وفي هذا الحث على التذكر والتفكر في آلاء اللّه والنظر إليها بعين الاعتبار والاستدلال، لا بعين الغفلة والإهمال.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features