وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (20)

يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام ، فيما ذكر به قومه نعم الله عليهم وآلاءه لديهم ، في جمعه لهم خير الدنيا والآخرة لو استقاموا على طريقتهم المستقيمة ، فقال تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء ) أي : كلما هلك نبي قام فيكم نبي ، من لدن أبيكم إبراهيم وإلى من بعده . وكذلك كانوا ، لا يزال فيهم الأنبياء يدعون إلى الله ويحذرون نقمته ، حتى ختموا بعيسى عليه السلام ، ثم أوحى الله [ تعالى ] إلى خاتم الرسل والأنبياء على الإطلاق محمد بن عبد الله المنسوب إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ، وهو أشرف من كل من تقدمه منهم صلى الله عليه وسلم .
وقوله : ( وجعلكم ملوكا ) قال عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن الحكم أو غيره ، عن ابن عباس في قوله : ( وجعلكم ملوكا ) قال : الخادم والمرأة والبيت .
وروى الحاكم في مستدركه ، من حديث الثوري أيضا ، عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال : المرأة والخادم ( وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) قال : الذين هم بين ظهرانيهم يومئذ ، ثم قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وقال ميمون بن مهران عن ابن عباس قال : كان الرجل من بني إسرائيل إذا كان له الزوجة والخادم والدار سمي ملكا .
وقال ابن جرير : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أنبأنا أبو هانئ ; أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها؟ قال : نعم . قال : ألك مسكن تسكنه؟ قال : نعم . قال : فأنت من الأغنياء . فقال : إن لي خادما . قال فأنت من الملوك .
وقال الحسن البصري : هل الملك إلا مركب وخادم ودار ؟
رواه ابن جرير . ثم روي عن منصور والحكم ومجاهد وسفيان الثوري نحوا من هذا . وحكاه ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران .
وقال ابن شوذب : كان الرجل من بني إسرائيل إذا كان له منزل وخادم ، واستؤذن عليه ، فهو ملك .
وقال قتادة : كانوا أول من ملك الخدم .
وقال السدي في قوله : ( وجعلكم ملوكا ) قال : يملك الرجل منكم نفسه وأهله وماله . رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة ، كتب ملكا " .
وهذا حديث غريب من هذا الوجه .
وقال ابن جرير : حدثنا الزبير بن بكار حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض [ قال ] سمعت زيد بن أسلم يقول : ( وجعلكم ملوكا ) فلا أعلم إلا أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان له بيت وخادم فهو ملك " .
وهذا مرسل غريب . وقال مالك : بيت وخادم وزوجة .
وقد ورد في الحديث : " من أصبح منكم معافى في جسده ، آمنا في سربه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " .
وقوله : ( وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) يعني عالمي زمانكم ، فكأنهم كانوا أشرف الناس في زمانهم ، من اليونان والقبط وسائر أصناف بني آدم كما قال : ( ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين ) [ الجاثية : 16 ] وقال تعالى إخبارا عن موسى لما قالوا : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون . إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون . قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين ) [ الأعراف : 138 - 140 ]
والمقصود : أنهم كانوا أفضل أهل زمانهم ، وإلا فهذه الأمة أشرف منهم ، وأفضل عند الله ، وأكمل شريعة ، وأقوم منهاجا ، وأكرم نبيا ، وأعظم ملكا ، وأغزر أرزاقا ، وأكثر أموالا وأولادا ، وأوسع مملكة ، وأدوم عزا ، قال الله [ عز وجل ] ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ آل عمران : 110 ] وقال ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) [ البقرة : 143 ] وقد ذكرنا الأحاديث المتواترة في فضل هذه الأمة وشرفها وكرمها عند الله ، عند قوله عز وجل : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) من سورة آل عمران .
وروى ابن جرير عن ابن عباس وأبي مالك وسعيد بن جبير أنهم قالوا في قوله : ( وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) يعني : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكأنهم أرادوا أن هذا الخطاب في قوله : ( وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) مع هذه الأمة . والجمهور على أنه خطاب من موسى لقومه وهو محمول على عالمي زمانهم كما قدمنا .
وقيل : المراد : ( وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) يعني بذلك : ما كان تعالى نزله عليهم من المن والسلوى ، وتظللهم من الغمام وغير ذلك ، مما كان تعالى يخصهم به من خوارق العادات ، فالله أعلم .
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (20)

قوله عز وجل : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء ) [ أي : منكم أنبياء ] ( وجعلكم ملوكا ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني أصحاب خدم وحشم ، قال قتادة : كانوا أول من ملك الخدم ولم يكن لمن قبلهم خدم . وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم وامرأة ودابة يكتب ملكا " .
وقال أبو عبد الرحمن الحبلي : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص ، وسأله رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها؟ قال : نعم . قال : ألك مسكن تسكنه؟ قال : نعم ، قال : فأنت من الأغنياء ، قال : فإن لي خادما ، قال : فأنت من الملوك .
قال السدي : وجعلكم ملوكا أحرارا تملكون أمر أنفسكم بعدما كنتم في أيدي القبط يستعبدونكم ، قال الضحاك : كانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية فمن كان مسكنه واسعا وفيه ماء جار فهو ملك ( وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) يعني عالمي زمانكم ، قال مجاهد : يعني المن والسلوى والحجر وتظليل الغمام .
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (20)

لما امتن الله على موسى وقومه بنجاتهم من فرعون وقومه وأسرهم واستبعادهم، ذهبوا قاصدين لأوطانهم ومساكنهم، وهي بيت المقدس وما حواليه، وقاربوا وصول بيت المقدس، وكان الله قد فرض عليهم جهاد عدوهم ليخرجوه من ديارهم. فوعظهم موسى عليه السلام؛ وذكرهم ليقدموا على الجهاد فقال لهم: { اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } بقلوبكم وألسنتكم. فإن ذكرها داع إلى محبته تعالى ومنشط على العبادة، { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ } يدعونكم إلى الهدى، ويحذرونكم من الردى، ويحثونكم على سعادتكم الأبدية، ويعلمونكم ما لم تكونوا تعلمون { وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا } تملكون أمركم، بحيث إنه زال عنكم استعباد عدوكم لكم، فكنتم تملكون أمركم، وتتمكنون من إقامة دينكم. { وَآتَاكُمْ } من النعم الدينية والدنيوية { مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ } فإنهم في ذلك الزمان خيرة الخلق، وأكرمهم على الله تعالى. وقد أنعم عليهم بنعم ما كانت لغيرهم. فذكرهم بالنعم الدينية والدنيوية، الداعي ذلك لإيمانهم وثباته، وثباتهم على الجهاد، وإقدامهم عليه، ولهذا قال:
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features