يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)

يقول تعالى : ( كتب عليكم ) العدل في القصاص أيها المؤمنون حركم بحركم ، وعبدكم بعبدكم ، وأنثاكم بأنثاكم ، ولا تتجاوزوا وتعتدوا ، كما اعتدى من قبلكم وغيروا حكم الله فيهم ، وسبب ذلك قريظة و [ بنو ] النضير ، كانت بنو النضير قد غزت قريظة في الجاهلية وقهروهم ، فكان إذا قتل النضري القرظي لا يقتل به ، بل يفادى بمائة وسق من التمر ، وإذا قتل القرظي النضري قتل به ، وإن فادوه فدوه بمائتي وسق من التمر ضعف دية القرظي ، فأمر الله بالعدل في القصاص ، ولا يتبع سبيل المفسدين المحرفين ، المخالفين لأحكام الله فيهم ، كفرا وبغيا ، فقال تعالى : ( كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) .
وذكر في [ سبب ] نزولها ما رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني عبد الله بن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، في قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ) يعني : إذا كان عمدا ، الحر بالحر . وذلك أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل ، فكان بينهم قتل وجراحات ، حتى قتلوا العبيد والنساء ، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا ، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال ، فحلفوا ألا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم ، وبالمرأة منا الرجل منهم ، فنزلت فيهم .
( الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) منها منسوخة ، نسختها ( النفس بالنفس ) [ المائدة : 45 ] .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : ( والأنثى بالأنثى ) وذلك أنهم لا يقتلون الرجل بالمرأة ، ولكن يقتلون الرجل بالرجل ، والمرأة بالمرأة فأنزل الله : النفس بالنفس والعين بالعين ، فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم ونساؤهم في النفس ، وفيما دون النفس ، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم من العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساؤهم ، وكذلك روي عن أبي مالك أنها منسوخة بقوله : ( النفس بالنفس ) .
مسألة : مذهب أبي حنيفة أن الحر يقتل بالعبد لعموم آية المائدة ، وإليه ذهب الثوري وابن أبي ليلى وداود ، وهو مروي عن علي ، وابن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، والحكم ، وقال البخاري ، وعلي بن المديني وإبراهيم النخعي والثوري في رواية عنه : ويقتل السيد بعبده ; لعموم حديث الحسن عن سمرة : " من قتل عبده قتلناه ، ومن جذعه جذعناه ، ومن خصاه خصيناه " وخالفهم الجمهور وقالوا : لا يقتل الحر بالعبد ; لأن العبد سلعة لو قتل خطأ لم تجب فيه دية ، وإنما تجب فيه قيمته ، وأنه لا يقاد بطرفه ففي النفس بطريق أولى ، وذهب الجمهور إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر ، كما ثبت في البخاري عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقتل مسلم بكافر " ولا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا ، وأما أبو حنيفة فذهب إلى أنه يقتل به لعموم آية المائدة .
مسألة : قال الحسن وعطاء : لا يقتل الرجل بالمرأة لهذه الآية ، وخالفهم الجمهور لآية المائدة ; ولقوله عليه السلام : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " وقال الليث : إذا قتل الرجل امرأته لا يقتل بها خاصة .
مسألة : ومذهب الأئمة الأربعة والجمهور أن الجماعة يقتلون بالواحد ; قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في غلام قتله سبعة فقتلهم ، وقال : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم ، ولا يعرف له في زمانه مخالف من الصحابة ، وذلك كالإجماع . وحكي عن الإمام أحمد رواية : أن الجماعة لا يقتلون بالواحد ، ولا يقتل بالنفس إلا نفس واحدة . وحكاه ابن المنذر عن معاذ وابن الزبير ، وعبد الملك بن مروان والزهري ومحمد بن سيرين وحبيب بن أبي ثابت ; ثم قال ابن المنذر : وهذا أصح ، ولا حجة لمن أباح قتل الجماعة . وقد ثبت عن ابن الزبير ما ذكرناه ، وإذا اختلف الصحابة فسبيله النظر .
وقوله : ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) قال مجاهد عن ابن عباس : ( فمن عفي له من أخيه شيء ) فالعفو : أن يقبل الدية في العمد ، وكذا روي عن أبي العالية ، وأبي الشعثاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان .
وقال الضحاك عن ابن عباس : ( فمن عفي له من أخيه شيء ) يقول : فمن ترك له من أخيه شيء يعني : [ بعد ] أخذ الدية بعد استحقاق الدم ، وذلك العفو ( فاتباع بالمعروف ) يقول : فعلى الطالب اتباع بالمعروف إذا قبل الدية ( وأداء إليه بإحسان ) يعني : من القاتل من غير ضرر ولا معك ، يعني : المدافعة .
وروى الحاكم من حديث سفيان ، عن عمرو ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ويؤدي المطلوب بإحسان . وكذا قال سعيد بن جبير ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد ، والحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراساني ، والربيع بن أنس ، والسدي ، ومقاتل بن حيان .
مسألة : قال مالك رحمه الله في رواية ابن القاسم عنه وهو المشهور ، وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه : ليس لولي الدم أن يعفو على الدية إلا برضا القاتل ، وقال الباقون : له أن يعفو عليها وإن لم يرض القاتل ، وذهب طائفة من السلف إلى أنه ليس للنساء عفو ، منهم الحسن ، وقتادة ، والزهري ، وابن شبرمة ، والليث ، والأوزاعي ، وخالفهم الباقون .
وقوله : ( ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ) يقول تعالى : إنما شرع لكم أخذ الدية في العمد تخفيفا من الله عليكم ورحمة بكم ، مما كان محتوما على الأمم قبلكم من القتل أو العفو ، كما قال سعيد بن منصور :
حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، أخبرني مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كتب على بني إسرائيل القصاص في القتلى ، ولم يكن فيهم العفو ، فقال الله لهذه الأمة ( كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء ) فالعفو أن يقبل الدية في العمد ، ذلك تخفيف [ من ربكم ورحمة ] مما كتب على من كان قبلكم ، فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان .
وقد رواه غير واحد عن عمرو [ بن دينار ] وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، عن عمرو بن دينار ، به . [ وقد رواه البخاري والنسائي عن ابن عباس ] ; ورواه جماعة عن مجاهد عن ابن عباس ، بنحوه .
وقال قتادة : ( ذلك تخفيف من ربكم ) رحم الله هذه الأمة وأطعمهم الدية ، ولم تحل لأحد قبلهم ، فكان أهل التوراة إنما هو القصاص وعفو ليس بينهم أرش وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به ، وجعل لهذه الأمة القصاص والعفو والأرش .
وهكذا روي عن سعيد بن جبير ، ومقاتل بن حيان ، والربيع بن أنس ، نحو هذا .
وقوله : ( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) يقول تعالى : فمن قتل بعد أخذ الدية أو قبولها ، فله عذاب من الله أليم موجع شديد .
وكذا روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والسدي ، ومقاتل بن حيان : أنه هو الذي يقتل بعد أخذ الدية ، كما قال محمد بن إسحاق ، عن الحارث بن فضيل ، عن سفيان بن أبي العوجاء ، عن أبي شريح الخزاعي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث : إما أن يقتص ، وإما أن يعفو ، وإما أن يأخذ الدية ; فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه . ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها " رواه أحمد .
وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أعافي رجلا قتل بعد أخذ الدية " يعني : لا أقبل منه الدية بل أقتله .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)

قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص ) قال الشعبي والكلبي وقتادة : نزلت هذه الآية في حيين من أحياء العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل وكانت بينهما قتلى وجراحات لم يأخذها بعضهم من بعض حتى جاء الإسلام قال مقاتل بن حيان : كانت بين بني قريظة والنضير وقال سعيد بن جبير : كانت بين الأوس والخزرج وقالوا جميعا كان لأحد الحيين على الآخر طول في الكثرة والشرف وكانوا ينكحون نساءهم بغير مهور فأقسموا لنقتلن بالعبد منا الحر منهم وبالمرأة منا الرجل منهم وبالرجل منا الرجلين منهم وجعلوا جراحاتهم ضعفي جراحات أولئك فرفعوا أمرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمر بالمساواة فرضوا وأسلموا .
قوله ( كتب عليكم القصاص ) أي فرض عليكم القصاص ( في القتلى ) والقصاص المساواة والمماثلة في الجراحات والديات وأصله من قص الأثر إذا اتبعه فالمفعول به يتبع ما فعل به فيفعل مثله
ثم بين المماثلة فقال ( الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) وجملة الحكم فيه أنه إذا تكافأ الدمان من الأحرار المسلمين أو العبيد من المسلمين أو الأحرار من المعاهدين أو العبيد منهم قتل من كل صنف منهم الذكر إذا قتل بالذكر وبالأنثى وتقتل الأنثى إذا قتلت بالأنثى وبالذكر ولا يقتل مؤمن بكافر ولا حر بعبد ولا والد بولد ولا مسلم بذمي ويقتل الذمي بالمسلم والعبد بالحر والولد بالوالد هذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبي عن أبي جحيفة قال " سألت عليا رضي الله عنه هل عندك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن فقال لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة قال : العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مؤمن بكافر " . وروي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقام الحدود في المساجد ولا يقاد بالولد الوالد " . وذهب الشعبي والنخعي وأصحاب الرأي إلى أن المسلم يقتل بالذمي وإلى أن الحر يقتل بالعبد والحديث حجة لمن لم يوجب القصاص على المسلم بقتل الذمي وتقتل الجماعة بالواحد روي عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قتل سبعة أو خمسة برجل قتلوه غيلة ، وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا " ويجري القصاص في الأطراف كما يجري في النفوس إلا في شيء واحد وهو أن الصحيح السوي يقتل بالمريض الزمن وفي الأطراف لو قطع يدا شلاء أو ناقصة بأصبع لا تقطع بها الصحيحة الكاملة وذهب أصحاب الرأي إلى أن القصاص في الأطراف لا يجري إلا بين حرين أو حرتين ولا يجري بين الذكر والأنثى ولا بين العبيد ولا بين الحر والعبد وعند الآخرين الطرف في القصاص مقيس على النفس .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الله بن منير أنه سمع عبد الله بن بكر السهمي أخبرنا حميد عن أنس بن النضر أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فطلبوا إليها العفو فأبوا فعرضوا الأرش ، فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر : يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره .
قوله تعالى ( فمن عفي له من أخيه شيء ) أي ترك له وصفح عنه من الواجب عليه وهو القصاص في قتل العمد ورضي بالدية هذا قول أكثر المفسرين قالوا العفو أن يقبل الدية في قتل العمد ، وقوله ( من أخيه ) أي من دم أخيه وأراد بالأخ المقتول والكنايتان في قوله ( له ) ( من أخيه ) ترجعان إلى من وهو القاتل وقوله شيء دليل على أن بعض الأولياء إذا عفا يسقط القود لأن شيئا من الدم قد بطل
قوله تعالى : ( فاتباع بالمعروف ) أي على الطالب للدية أن يتبع بالمعروف فلا يطالب بأكثر من حقه
( وأداء إليه بإحسان ) أي على المطلوب منه أداء الدية بالإحسان من غير مماطلة أمر كل واحد منهما بالإحسان فيما له وعليه ومذهب أكثر العلماء من الصحابة والتابعين أن ولي الدم إذا عفا عن القصاص على الدية فله أخذ الدية وإن لم يرض به القاتل وقال قوم لا دية له إلا برضاء القاتل وهو قول الحسن والنخعي وأصحاب الرأي وحجة المذهب الأول ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل " .
قوله تعالى ( ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ) أي ذلك الذي ذكرت من العفو عن القصاص وأخذ الدية تخفيف من ربكم ورحمة وذلك أن القصاص في النفس والجراح كان حتما في التوراة على اليهود ولم يكن لهم أخذ الدية وكان في شرع النصارى الدية ولم يكن لهم القصاص فخير الله تعالى هذه الأمة بين القصاص وبين العفو عن الدية تخفيفا منه ورحمة
( فمن اعتدى بعد ذلك ) فقتل الجاني بعد العفو وقبول الدية ( فله عذاب أليم ) أن يقتل قصاصا قال ابن جريج : يتحتم قتله حتى لا يقبل العفو وفي الآية دليل على أن القاتل لا يصير كافرا بالقتل ، لأن الله تعالى خاطبه بعد القتل بخطاب الإيمان فقال ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص ) وقال في آخر الآية ( فمن عفي له من أخيه شيء ) وأراد به أخوة الإيمان فلم يقطع الأخوة بينهما بالقتل
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)

يمتن تعالى على عباده المؤمنين, بأنه فرض عليهم { الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } أي: المساواة فيه, وأن يقتل القاتل على الصفة, التي قتل عليها المقتول, إقامة للعدل والقسط بين العباد. وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين, فيه دليل على أنه يجب عليهم كلهم، حتى أولياء القاتل حتى القاتل بنفسه إعانة ولي المقتول, إذا طلب القصاص وتمكينه من القاتل, وأنه لا يجوز لهم أن يحولوا بين هذا الحد, ويمنعوا الولي من الاقتصاص, كما عليه عادة الجاهلية, ومن أشبههم من إيواء المحدثين. ثم بيَّن تفصيل ذلك فقال: { الْحُرُّ بِالْحُرِّ } يدخل بمنطقوقها, الذكر بالذكر، { وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } والأنثى بالذكر, والذكر بالأنثى, فيكون منطوقها مقدما على مفهوم قوله: " الأنثى بالأنثى " مع دلالة السنة, على أن الذكر يقتل بالأنثى، وخرج من عموم هذا الأبوان وإن علوا، فلا يقتلان بالولد, لورود السنة بذلك، مع أن في قوله: { الْقِصَاصُ } ما يدل على أنه ليس من العدل, أن يقتل الوالد بولده، ولأن في قلب الوالد من الشفقة والرحمة, ما يمنعه من القتل لولده إلا بسبب اختلال في عقله, أو أذية شديدة جدا من الولد له. وخرج من العموم أيضا, الكافر بالسنة, مع أن الآية في خطاب المؤمنين خاصة. وأيضا فليس من العدل أن يقتل ولي الله بعدوه، والعبد بالعبد, ذكرا كان أو أنثى, تساوت قيمتهما أو اختلفت، ودل بمفهومها على أن الحر, لا يقتل بالعبد, لكونه غير مساو له، والأنثى بالأنثى, أخذ بمفهومها بعض أهل العلم فلم يجز قتل الرجل بالمرأة, وتقدم وجه ذلك. وفي هذه الآية دليل على أن الأصل وجوب القود في القتل, وأن الدية بدل عنه، فلهذا قال: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } أي: عفا ولي المقتول عن القاتل إلى الدية, أو عفا بعض الأولياء, فإنه يسقط القصاص, وتجب الدية, وتكون الخيرة في القود واختيار الدية إلى الولي. فإذا عفا عنه وجب على الولي, [أي: ولي المقتول] أن يتبع القاتل { بِالْمَعْرُوفِ } من غير أن يشق عليه, ولا يحمله ما لا يطيق, بل يحسن الاقتضاء والطلب, ولا يحرجه. وعلى القاتل { أَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } من غير مطل ولا نقص, ولا إساءة فعلية أو قولية, فهل جزاء الإحسان إليه بالعفو, إلا الإحسان بحسن القضاء، وهذا مأمور به في كل ما ثبت في ذمم الناس للإنسان، مأمور من له الحق بالاتباع بالمعروف، ومن عليه الحق, بالأداء بإحسان وفي قوله: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ } ترقيق وحث على العفو إلى الدية، وأحسن من ذلك العفو مجانا. وفي قوله: { أَخِيهِ } دليل على أن القاتل لا يكفر, لأن المراد بالأخوة هنا أخوة الإيمان, فلم يخرج بالقتل منها، ومن باب أولى أن سائر المعاصي التي هي دون الكفر, لا يكفر بها فاعلها, وإنما ينقص بذلك إيمانه. وإذا عفا أولياء المقتول, أو عفا بعضهم, احتقن دم القاتل, وصار معصوما منهم ومن غيرهم, ولهذا قال: { فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ } أي: بعد العفو { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: في الآخرة، وأما قتله وعدمه, فيؤخذ مما تقدم, لأنه قتل مكافئا له, فيجب قتله بذلك. وأما من فسر العذاب الأليم بالقتل, فإن الآية تدل على أنه يتعين قتله, ولا يجوز العفو عنه, وبذلك قال بعض العلماء والصحيح الأول, لأن جنايته لا تزيد على جناية غيره.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features