يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)

وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله ) أي : كونوا قوامين بالحق لله ، عز وجل ، لا لأجل الناس والسمعة ، وكونوا ( شهداء بالقسط ) أي : بالعدل لا بالجور . وقد ثبت في الصحيحين ، عن النعمان بن بشير أنه قال : نحلني أبي نحلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجاءه ليشهده على صدقتي فقال : " أكل ولدك نحلت مثله؟ " قال : لا . قال : " اتقوا الله ، واعدلوا في أولادكم " . وقال : " إني لا أشهد على جور " . قال : فرجع أبي فرد تلك الصدقة .
وقوله : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ) أي : لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم ، بل استعملوا العدل في كل أحد ، صديقا كان أو عدوا ; ولهذا قال : ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) أي : عدلكم أقرب إلى التقوى من تركه . ودل الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه ، كما في نظائره من القرآن وغيره ، كما في قوله : ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ) [ النور : 28 ]
وقوله : ( هو أقرب للتقوى ) من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء ، كما في قوله [ تعالى ] ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) [ الفرقان : 24 ] وكقول بعض الصحابيات لعمر : أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم قال تعالى : ( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) أي : وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ; ولهذا قال بعده :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)

قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ) أي : كونوا قائمين بالعدل [ قوالين ] بالصدق ، أمرهم بالعدل والصدق في أفعالهم وأقوالهم ، ( ولا يجرمنكم ) ولا يحملنكم ، ( شنآن قوم ) بغض قوم ، ( على ألا تعدلوا ) أي : على ترك العدل فيهم لعداوتهم . ثم قال : ( اعدلوا ) يعني : في أوليائكم وأعدائكم ، ( هو أقرب للتقوى ) يعني : إلى التقوى ، ( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)

أي { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ْ} بما أُمِرُوا بالإيمان به، قوموا بلازم إيمانكم، بأن تكونوا { قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ْ} بأن تنشط للقيام بالقسط حركاتكم الظاهرة والباطنة. وأن يكون ذلك القيام لله وحده، لا لغرض من الأغراض الدنيوية، وأن تكونوا قاصدين للقسط، الذي هو العدل، لا الإفراط ولا التفريط، في أقوالكم ولا أفعالكم، وقوموا بذلك على القريب والبعيد، والصديق والعدو. { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ ْ} أي: لا يحملنكم بغض { قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ْ} كما يفعله من لا عدل عنده ولا قسط، بل كما تشهدون لوليكم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له، ولو كان كافرا أو مبتدعا، فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق، لأنه حق لا لأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق. { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ْ} أي: كلما حرصتم على العدل واجتهدتم في العمل به، كان ذلك أقرب لتقوى قلوبكم، فإن تم العدل كملت التقوى. { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ْ} فمجازيكم بأعمالكم، خيرها وشرها، صغيرها وكبيرها، جزاء عاجلا، وآجلا.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)

قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون
قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين الآية تقدم معناها في " النساء " ، والمعنى : أتممت عليكم نعمتي فكونوا قوامين لله ، أي : لأجل ثواب الله ; فقوموا بحقه ، واشهدوا بالحق من غير ميل إلى أقاربكم ، وحيف على أعدائكم . ولا يجرمنكم شنآن قوم على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق ، وفي هذا دليل على نفوذ حكم العدو على عدوه في الله تعالى ونفوذ شهادته عليه ; لأنه أمر بالعدل وإن أبغضه ، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه ، ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه ، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق ، وأن المثلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك ; فليس لنا أن نقتلهم بمثلة قصدا لإيصال الغم والحزن إليهم ; وإليه أشار عبد الله بن رواحة بقوله في القصة المشهورة : هذا معنى الآية . وتقدم في صدر هذه السورة معنى قوله : ولا يجرمنكم شنآن قوم ، وقرئ " ولا يجرمنكم " قال الكسائي : هما لغتان . وقال الزجاج : معنى " لا يجرمنكم " لا يدخلنكم في الجرم ; كما تقول : آثمني أي : أدخلني في الإثم . ومعنى : هو أقرب للتقوى أي : لأن تتقوا الله ، وقيل : لأن تتقوا النار .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features