قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)

قال السدي : قال المشركون للمؤمنين : اتبعوا سبيلنا ، واتركوا دين محمد فأنزل الله ، عز وجل : ( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا ) أي : في الكفر ( بعد إذ هدانا الله ) فيكون مثلنا مثل الذي ( استهوته الشياطين في الأرض [ حيران ] ) يقول : مثلكم ، إن كفرتم بعد الإيمان ، كمثل رجل كان مع قوم على الطريق ، فضل الطريق ، فحيرته الشياطين ، واستهوته في الأرض ، وأصحابه على الطريق ، فجعلوا يدعونه إليهم يقولون : " ائتنا فإنا على الطريق " ، فأبى أن يأتيهم . فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق ، والطريق هو الإسلام . رواه ابن جرير .
وقال قتادة : ( استهوته الشياطين في الأرض ) أضلته في الأرض ، يعني : استهوته مثل قوله : ( تهوي إليهم ) [ إبراهيم : 37 ] .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ) الآية . هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها ، والدعاة الذين يدعون إلى الله ، عز وجل ، كمثل رجل ضل عن طريق تائها ضالا إذ ناداه مناد : " يا فلان بن فلان ، هلم إلى الطريق " ، وله أصحاب يدعونه : " يا فلان ، هلم إلى الطريق " ، فإن اتبع الداعي الأول ، انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى ، اهتدى إلى الطريق . وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان ، يقول : مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله ، فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت ، فيستقبل الهلكة والندامة . وقوله : ( كالذي استهوته الشياطين في الأرض ) هم " الغيلان " ، يدعونه باسمه واسم أبيه وجده ، فيتبعها وهو يرى أنه في شيء ، فيصبح وقد ألقته في هلكة ، وربما أكلته - أو تلقيه في مضلة من الأرض ، يهلك فيها عطشا ، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله ، عز وجل . رواه ابن جرير .
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ) قال : رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق ، وذلك مثل من يضل بعد أن هدي .
وقال العوفي عن ابن عباس قوله : ( كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ) هو الذي لا يستجيب لهدى الله ، وهو رجل أطاع الشيطان ، وعمل في الأرض بالمعصية ، وجار عن الحق وضل عنه ، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ، ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى ، يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس ، يقول [ الله ] ( إن هدى الله هو الهدى ) والضلال ما يدعو إليه الجن . رواه ابن جرير ، ثم قال : وهذا يقتضي أن أصحابه يدعونه إلى الضلال ، ويزعمون أنه هدى . قالت : وهذا خلاف ظاهر الآية ; فإن الله أخبر أن أصحابه يدعونه إلى الهدى ، فغير جائز أن يكون ضلالا وقد أخبر الله أنه هدى .
وهو كما قال ابن جرير ، وكان سياق الآية يقتضي أن هذا الذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ، وهو منصوب على الحال ، أي : في حال حيرته وضلاله وجهله وجه المحجة ، وله أصحاب على المحجة سائرون ، فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى . وتقدير الكلام : فيأبى عليهم ولا يلتفت إليهم ، ولو شاء الله لهداه ، ولرد به إلى الطريق ; ولهذا قال : ( قل إن هدى الله هو الهدى ) كما قال : ( ومن يهد الله فما له من مضل ) [ الزمر : 37 ] ، وقال : ( إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ) [ النحل : 37 ] ، وقوله ( وأمرنا لنسلم لرب العالمين ) أي : نخلص له العبادة وحده لا شريك له .
قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)

( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ) إن عبدناه ، ( ولا يضرنا ) إن تركناه ، يعني : الأصنام ليس إليها نفع ولا ضر ، ( ونرد على أعقابنا ) إلى الشرك [ مرتدين ] ( بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض ) ، أي : يكون مثلنا كمثل الذي استهوته الشياطين ، أي : أضلته ، ( حيران ) قال ابن عباس : كالذي استهوته الغيلان في المهامة فأضلوه فهو حائر بائر ، والحيران : المتردد في الأمر ، لا يهتدي إلى مخرج منه ، ( له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا ) هذا مثل ضربه الله تعالى لمن يدعو إلى الآلهة ولمن يدعو إلى الله تعالى ، كمثل رجل في رفقة ضل به الغول عن الطريق يدعوه أصحابه من أهل الرفقة هلم إلى الطريق ، ويدعوه الغول [ هلم ] فيبقى حيران لا يدري أين يذهب ، فإن أجاب الغول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة ، وإن أجاب من يدعوه إلى الطريق اهتدى .
( قل إن هدى الله هو الهدى ) يزجر عن عبادة الأصنام ، كأنه يقول : لا تفعل ذلك فإن الهدى هدى الله ، لا هدى غيره ، ( وأمرنا لنسلم ) أي : أن نسلم ، ( لرب العالمين ) والعرب تقول : أمرتك لتفعل وأن تفعل وبأن تفعل .
قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)

قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين
قوله تعالى : قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا أي ما لا ينفعنا إن دعوناه .
ولا يضرنا إن تركناه ; يريد الأصنام .
ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله أي نرجع إلى الضلالة بعد الهدى . وواحد الأعقاب عقب وهو مؤنث ، وتصغيره عقيبة . يقال : رجع فلان على عقبيه ، إذا أدبر . قال أبو عبيدة : يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها : قد رد على عقبيه . وقال المبرد : معناه تعقب بالشر بعد الخير . وأصله من العاقبة والعقبى وهما ما كان تاليا للشيء واجبا أن يتبعه ; ومنه والعاقبة للمتقين ومنه عقب الرجل . ومنه العقوبة ، لأنها تالية للذنب ، وعنه تكون .
قوله تعالى : " كالذي " الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف .
استهوته الشياطين في الأرض حيران أي استغوته وزينت له هواه ودعته إليه . يقال : هوى يهوي إلى الشيء أسرع إليه . وقال الزجاج : هو من هوى يهوى ، من هوى النفس ; أي زين له الشيطان هواه . وقراءة الجماعة استهوته أي هوت به ، على تأنيث الجماعة . وقرأ حمزة " استهواه الشياطين " على تذكير الجمع . وروي عن ابن مسعود " استهواه الشيطان " وروي عن الحسن ، وهو كذلك في حرف أبي . ومعنى ائتنا تابعنا . وفي قراءة عبد الله أيضا " يدعونه إلى الهدى بينا " . وعن الحسن أيضا " استهوته الشياطون " . حيران نصب على الحال ، ولم ينصرف لأن أنثاه حيرى كسكران وسكرى وغضبان وغضبى . والحيران هو الذي لا يهتدي لجهة أمره . وقد حار يحار حيرا وحيرة وحيرورة ، أي تردد . وبه سمي الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائرا ، والجمع حوران . والحائر الموضع الذي يتحير فيه الماء . قال الشاعر : تخطو على برديتين غذاهما غدق بساحة حائر يعبوب قال ابن عباس : أي مثل عابد الصنم مثل من دعاه الغول فيتبعه فيصبح وقد ألقته في مضلة ومهلكة ; فهو حائر في تلك المهامه . وقال في رواية أبي صالح : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، كان يدعو أباه إلى الكفر وأبواه يدعوانه إلى الإسلام . والمسلمون له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى فيأبى . قال أبو عمر : أمه أم رومان بنت الحارث بن غنم الكنانية ; فهو شقيق عائشة . وشهد عبد الرحمن بن أبي بكر بدرا وأحدا مع قومه وهو كافر ، ودعا إلى البراز فقام إليه أبوه ليبارزه فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له متعني بنفسك . ثم أسلم وحسن إسلامه ، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية . هذا قول أهل السير . قالوا : كان اسمه عبد الكعبة فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الرحمن ، وكان أسن ولد أبي بكر . ويقال : إنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم أربعة ولاء - أب وبنوه - إلا أبا قحافة وابنه أبا بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابنه أبا عتيق محمد بن عبد الرحمن . والله أعلم .
قوله تعالى وأمرنا لنسلم لرب العالمين .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features