فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)

يخبر تعالى عن سعادة من أوتي كتابه يوم القيامة بيمينه ، وفرحه بذلك ، وأنه من شدة فرحه يقول لكل من لقيه : ( هاؤم اقرءوا كتابيه ) أي : خذوا اقرؤوا كتابيه ; لأنه يعلم أن الذي فيه خير وحسنات محضة ; لأنه ممن بدل الله سيئاته حسنات .
قال عبد الرحمن بن زيد : معنى : ( هاؤم اقرءوا كتابيه ) أي : ها اقرؤوا كتابيه ، و " ؤم " زائدة . كذا قال ، والظاهر أنها بمعنى : هاكم .
وقد قال ابن أبى حاتم حدثنا : بشر بن مطر الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عاصم الأحول عن أبي عثمان قال : المؤمن يعطى كتابه [ بيمينه ] في ستر من الله ، فيقرأ سيئاته ، فكلما قرأ سيئة تغير لونه حتى يمر بحسناته فيقرؤها ، فيرجع إليه لونه . ثم ينظر فإذا سيئاته قد بدلت حسنات ، قال : فعند ذلك يقول : ( هاؤم اقرءوا كتابيه )
وحدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن الوليد بن سلمة ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا موسى بن عبيدة ، أخبرني عبد الله بن عبد الله بن حنظلة - غسيل الملائكة - قال : إن الله يقف عبده يوم القيامة فيبدي سيئاته في ظهر صحيفته ، فيقول له : أنت عملت هذا ؟ فيقول : نعم أي رب ، فيقول له : إني لم أفضحك به ، وإني قد غفرت لك ، فيقول عند ذلك : ( هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه ) حين نجا من فضحه يوم القيامة .
وقد تقدم في الصحيح حديث ابن عمر حين سئل عن النجوى ، فقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يدني الله العبد يوم القيامة ، فيقرره بذنوبه كلها ، حتى إذا رأى أنه قد هلك قال الله : إني سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه ، وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد : ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) [ هود : 18 ] .
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)

وذلك قوله - عز وجل - : ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ) تعالوا اقرءوا كتابيه الهاء في " كتابيه " هاء الوقف .
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)

قوله تعالى : فأما من أوتي كتابه بيمينه إعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة . وقال ابن عباس : أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب ، وله شعاع كشعاع الشمس . قيل له : فأين أبو بكر ؟ فقال : هيهات هيهات ! زفته الملائكة إلى الجنة . ذكره الثعلبي . وقد ذكرناه مرفوعا من حديث زيد بن ثابت بلفظه ومعناه في كتاب " التذكرة " . والحمد لله .
فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه أي يقول ذلك ثقة بالإسلام وسرورا بنجاته ; لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرح ، والشمال من دلائل الغم . قال الشاعر :
أبيني أفي يمنى يديك جعلتني فأفرح أم صيرتني في شمالك
ومعنى : هاؤم تعالوا ; قاله ابن زيد . وقال مقاتل : هلم . وقيل : أي خذوا ; ومنه : الخبر في الربا " إلا هاء وهاء " أي يقول كل واحد لصاحبه : خذ . قال ابن السكيت والكسائي : العرب تقول : هاء يا رجل اقرأ ، وللاثنين هاؤما يا رجلان ، وهاؤم يا رجال ، وللمرة هاء ( بكسر الهمزة ) وهاؤما وهاؤمن . والأصل هاكم فأبدلت الهمزة من الكاف ; قال القتيبي . وقيل : إن " هاؤم " كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح . روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداه أعرابي بصوت عال فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم " هاؤم " يطول صوته .
وكتابيه منصوب ب " هاؤم " عند الكوفيين . وعند البصريين ب " اقرءوا " لأنه أقرب العاملين . والأصل " كتابي " فأدخلت الهاء لتبين فتحة الياء ، وكان الهاء للوقف ، وكذلك في أخواته : حسابيه ، و ماليه ، و سلطانيه وفي القارعة ماهيه . وقراءة العامة بالهاء فيهن في الوقف والوصل معا ; لأنهن وقعن في المصحف بالهاء فلا تترك . واختار أبو عبيد أن يتعمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السكت ويوافق الخط . وقرأ ابن محيصن ومجاهد وحميد ويعقوب بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف فيهن جمع . ووافقهم حمزة في ماليه وسلطانيه ، و ماهيه في القارعة . وجملة هذه الحروف سبعة . واختار أبو حاتم قراءة يعقوب ومن معه اتباعا للغة . ومن قرأهن في الوصل بالهاء فهو على نية الوقف .
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه، فيقول تعالى ( اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ) .
كما حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله: ( هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ) قال: تعالوا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان بعض أهل العلم يقول: وجدت أكيس الناس من قال: ( هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ).
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features