قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)

يقول تعالى : قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من أهل الكتاب : ( هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ) أي : هل لكم علينا مطعن أو عيب إلا هذا؟ وهذا ليس بعيب ولا مذمة ، فيكون الاستثناء منقطعا كما في قوله : ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) [ البروج : 8 ] وكقوله : ( وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) [ التوبة : 74 ] وفي الحديث المتفق عليه : " ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله " .
وقوله : ( وأن أكثركم فاسقون ) معطوف على ( أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ) أي : وآمنا بأن أكثركم فاسقون ، أي : خارجون عن الطريق المستقيم .
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)

قوله عز وجل : ( قل ياأهل الكتاب هل تنقمون منا ) الآية . قرأ الكسائي : " هل تنقمون " ، بإدغام اللام في التاء ، وكذلك يدغم لام هل في التاء والثاء والنون ، ووافقه حمزة في التاء والثاء وأبو عمرو في " هل ترى " في موضعين .
قال ابن عباس : أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود ، أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع وغيرهما ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ، فقال : أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله : ونحن له مسلمون فلما ذكر عيسى عليه السلام جحدوا نبوته ، وقالوا : والله ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ، ولا دينا شرا من دينكم ، فأنزل الله هذه الآية " قل ياأهل الكتاب هل تنقمون منا " أي : تكرهون منا ، ( إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ) أي : هل تكرهون منا إلا إيماننا وفسقكم ، أي : إنما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون أنا على حق ، لأنكم فسقتم بأن أقمتم على دينكم لحب الرياسة وحب الأموال .
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)

قوله تعالى : قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون
قوله تعالى : قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا قال ابن عباس رضي الله عنه : جاء نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل عليهم السلام ; فقال : نؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله ونحن له مسلمون ، فلما ذكر عيسى عليه السلام جحدوا نبوته وقالوا : والله ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ولا دينا شرا من دينكم ; فنزلت هذه الآية وما بعدها ، وهي متصلة بما سبقها من إنكارهم الأذان ; فهو جامع للشهادة لله بالتوحيد ، ولمحمد بالنبوة ، والمتناقض دين من فرق بين أنبياء الله لا دين من يؤمن بالكل ، ويجوز إدغام اللام في التاء لقربها منها . وتنقمون معناه تسخطون ، وقيل : تكرهون وقيل : تنكرون ، والمعنى متقارب ; يقال : نقم من كذا ينقم ونقم ينقم ، والأول أكثر قال عبد الله بن قيس الرقيات :
ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا
وفي التنزيل وما نقموا منهم ويقال : نقمت على الرجل بالكسر فأنا ناقم إذا عتبت عليه ; يقال : ما نقمت عليه الإحسان . قال الكسائي : نقمت بالكسر لغة ، ونقمت الأمر أيضا ونقمته إذا كرهته ، وانتقم الله منه أي : عاقبه ، والاسم منه النقمة ، والجمع نقمات ونقم مثل كلمة وكلمات وكلم ، وإن شئت سكنت القاف ونقلت حركتها إلى النون فقلت : نقمة والجمع نقم ; مثل نعمة ونعم ، إلا أن آمنا بالله في موضع نصب ب تنقمون و تنقمون بمعنى تعيبون ، أي : هل تنقمون منا إلا إيماننا بالله وقد علمتم أنا على الحق . وأن أكثركم فاسقون أي : في ترككم الإيمان ، وخروجكم عن امتثال أمر الله فقيل هو مثل قول القائل : هل تنقم مني إلا أني عفيف وأنك فاجر ، وقيل : أي : لأن أكثركم فاسقون تنقمون منا ذلك .
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)

{ قُلْ ْ} يا أيها الرسول { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ْ} ملزما لهم، إن دين الإسلام هو الدين الحق، وإن قدحهم فيه قدح بأمر ينبغي المدح عليه: { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ْ} أي: هل لنا عندكم من العيب إلا إيماننا بالله، وبكتبه السابقة واللاحقة، وبأنبيائه المتقدمين والمتأخرين، وبأننا نجزم أن من لم يؤمن كهذا الإيمان فإنه كافر فاسق؟ فهل تنقمون منا بهذا الذي هو أوجب الواجبات على جميع المكلفين؟" ومع هذا فأكثركم فاسقون، أي: خارجون عن طاعة الله، متجرئون على معاصيه، فأولى لكم -أيها الفاسقون- السكوت، فلو كان عيبكم وأنتم سالمون من الفسق، وهيهات ذلك - لكان الشر أخف من قدحكم فينا مع فسقكم.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)

القول في تأويل قوله : قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لأهل الكتاب من اليهود والنصارى: يا أهل الكتاب، هل تكرهون منا أو تجدون علينا في شيء إذ تستهزئون بديننا، وإذ أنتم إذا نادينا إلى الصلاة اتخذتم نداءنا ذلك هزوًا ولعبًا (1) =" إلا أن آمنا بالله "، يقول: إلا أن صدقنا وأقررنا بالله فوحدناه، وبما أنـزل إلينا من عند الله من الكتاب، وما أنـزل إلى أنبياء الله من الكتب من قبل كتابنا=" وأن أكثركم فاسقون "، يقول: وإلا أن أكثركم مخالفون أمر الله، خارجون عن طاعته، تكذبون عليه. (2)
* * *
والعرب تقول: " نقَمتُ عليك كذا أنقِم "= وبه قرأه القرأة من أهل الحجاز والعراق وغيرهم= و " نقِمت أنقِم "، لغتان (3) = ولا نعلم قارئًا قرأ بهما (4) بمعنى وجدت وكرهت، (5) ومنه قول عبد الله بن قيس الرقيات: (6)
مَــا نَقَمُــوا مِـنْ بَنِـي أُمَيَّـةَ إِلا
أَنَّهُـــمْ يَحْـــلُمُونَ إِنْ غَضِبُــوا (7)
* * *
وقد ذكر أن هذه الآية نـزلت بسبب قوم من اليهود.
ذكر من قال ذلك:
12219 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق، قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نفرٌ من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبي رافع، وعازر، (8) وزيد، وخالد، وأزار بن أبي أزار، وأشيع، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ قال: أومن بالله وما أنـزل إلينا وما أنـزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. (9) فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: لا نؤمن بمن آمن به! (10) فأنـزل الله فيهم: " قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا آمنا بالله وما أنـزل إلينا وما أنـزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ". (11)
* * *
= عطفًا بها على " أن " التي في قوله: " إلا أن آمنا بالله "، (12) لأن معنى الكلام: هل تنقمون منا إلا إيمانَنا بالله وفسقكم.
-----------------
الهوامش :
(1) في المطبوعة: "أو تجدون علينا حتى تستهزئوا بديننا إذ أنتم إذا نادينا إلى الصلاة" ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، فحذف وغير وبدل ، وأساء غاية الإساءة.
(2) انظر تفسير"الفسق" فيما سلف ص: 393 تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(3) اللغة الأولى"نقم" (بفتحتين)"ينقم" (بكسر القاف) = واللغة الثانية"نقم" (بفتح فكسر)"ينقم" (بكسر القاف أيضا).
(4) في المطبوعة: "قرأ بها" بالإفراد ، والصواب ما في المخطوطة ، ويعني"نقمت" ، أنقم. من اللغة الثانية.
(5) "وجدت" من قولهم: "وجد عليه يجد وجدًا وموجدة": غضب.
(6) مختلف في اسمه يقال: "عبد الله" ويقال: "عبيد الله" بالتصغير ، وهو الأكثر.
(7) ديوانه: 70 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 170 ، واللسان (نقم) ، من قصيدته التي قالها لعبد الملك بن مروان ، في خبر طويل ذكره أبو الفرج في الأغاني 5: 76- 80 ، وبعد البيت:
وأنَّهُــمْ مَعْــدِنَ المُلُــوكِ، فَــلا
تَصْلُـــحُ إلا عَلَيْهِــــمُ العَــرَبُ
إِن الفَنِيــق الَّــذِي أَبُــوهُ أَبُــو
العَــاصِي، عَلَيْـهِ الوَقَـارُ والحُجُـبُ
خَلِيفَــةُ اللـــهِ فَــوْقَ مِنْــبَرِه
جَــفَّتْ بِــذَاكَ الأقْـــلامُ والكُـتُبُ
يَعْتَــدِلُ التَّــاجُ فَــوْقَ مَفْرِقِــهِ
عَـــلَى جَــبِينٍ كأَنّــهُ الــذَّهَبُ
(8) في المخطوطة: "عازي" ، وصوابه من المراجع الآتي ذكرها.
(9) هذا تضمين آية سورة البقرة: 136.
(10) في المخطوطة: "لا نؤمن آمن به" ، أسقط"بمن".
(11) الأثر: 12219- سيرة ابن هشام 2: 216 ، ومضى بالإسنادين رقم 2101 ، 2102
(12) يعني قوله: "وأن أكثركم فاسقون" ، فتح الألف من"وأن" ، عطفًا بها على"أن" التي في قوله: "إلا أن آمنا بالله".
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features