قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)

( قل أمر ربي بالقسط ) قال ابن عباس : بلا إله إلا الله ، وقال الضحاك : بالتوحيد . وقال مجاهد والسدي : بالعدل . ( وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ) قال مجاهد والسدي : يعني وجهوا وجوهكم حيث ما كنتم في الصلاة إلى الكعبة . وقال الضحاك : إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد فصلوا فيه ولا يقولن أحدكم أصلي في مسجدي . وقيل : معناه اجعلوا سجودكم لله خالصا ، ( وادعوه ) واعبدوه ، ( مخلصين له الدين ) الطاعة والعبادة ، ( كما بدأكم تعودون ) قال ابن عباس : إن الله تعالى بدأ خلق بني آدم مؤمنا وكافرا كما قال : " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " ( التغابن ، 2 ) ، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمنا وكافرا . قال مجاهد : يبعثون على ما ماتوا عليه .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي حدثنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنبأنا محمد بن عبد الله الصفار حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يبعث كل عبد على ما مات عليه ، المؤمن على إيمانه والكافر على كفره " .
وقال أبو العالية : عادوا على عمله فيهم . قال سعيد بن جبير : كما كتب عليكم تكونون .
قال محمد بن كعب : من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة صار إليها وإن عمل بعمل أهل السعادة ، كما أن إبليس كان يعمل بعمل أهل السعادة ثم صار إلى الشقاوة ، ومن ابتدء خلقه على السعادة صار إليها وإن عمل بعمل أهل الشقاء ، وكما أن السحرة كانت تعمل بعمل أهل الشقاوة فصاروا إلى السعادة .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنبأنا أبو القاسم البغوي ثنا علي بن الجعد حدثنا أبو غسان عن أبي حازم قال : سمعت سهل بن سعد يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن العبد يعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار ، وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ، وإنما الأعمال بالخواتيم " .
وقال الحسن ومجاهد : كما بدأكم وخلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئا ، كذلك تعودون أحياء يوم القيامة كما قال الله تعالى : " كما بدأنا أول خلق نعيده " ( الأنبياء ، 104 ) ، قال قتادة : بدأهم من التراب وإلى التراب يعودون ، نظيره قوله تعالى : " منها خلقناكم وفيها نعيدكم " ( طه ، 55 ) .
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)

القول في تأويل قوله : قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: (قل)، يا محمد، لهؤلاء الذين يزعمون أن الله أمرهم بالفحشاء كذبًا على الله: ما أمر ربي بما تقولون, بل (أمر ربي بالقسط)، يعني: بالعدل، (47) كما:-
14469- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (قل أمر ربي بالقسط)، بالعدل.
14470- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (قل أمر ربي بالقسط)، والقسط: العدل.
* * *
وأما قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله . فقال بعضهم: معناه: وجِّهوا وجوهكم حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة.
* ذكر من قال ذلك:
14471- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، إلى الكعبة حيثما صليتم، في الكنيسة وغيرها.
14472- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: إذا صليتم فاستقبلوا الكعبة، في كنائسكم وغيرها.
14473- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، هو " المسجد "، الكعبة.
14474- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا خالد بن عبد الرحمن, عن عمر بن ذر, عن مجاهد في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: الكعبة، حيثما كنت.
14475- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: أقيموها للقبلة، هذه القبلة التي أمركم الله بها.
* * *
وقال آخرون: بل عنى بذلك: واجعلوا سجودكم لله خالصًا، دون ما سواه من الآلهة والأنداد.
* ذكر من قال ذلك.
14476- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد)، قال: في الإخلاص، أن لا تدعوا غيره, وأن تخلصوا له الدين.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية، ما قاله الربيع: وهو أن القوم أُمِروا أن يتوجهوا بصلاتهم إلى ربهم, لا إلى ما سواه من الأوثان والأصنام, وأن يجعلوا دعاءهم لله خالصًا, لا مُكاءً ولا تصدية. (48)
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية, لأن الله إنما خاطب بهذه الآية قومًا من مشركي العرب، لم يكونوا أهل كنائس وبيع, وإنما كانت الكنائس والبِيَع لأهل الكتابين. فغير معقول أن يقال لمن لا يصلي في كنيسة ولا بِيعة: " وجِّه وجهك إلى الكعبة في كنيسة أو بِيعةٍ".
* * *
وأما قوله: (وادعوه مخلصين له الدين)، فإنه يقول: واعملوا لربكم مخلصين له الدين والطاعة, لا تخلطوا ذلك بشرك، ولا تجعلوا في شيء مما تعملون له شريكًا، (49) كما:-
14477- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: (وادعوه مخلصين له الدين)، قال: أن تخلصوا له الدين والدعوة والعمل, ثم توجِّهون إلى البيت الحرام.
--------------------
الهوامش :
(47) انظر تفسير (( القسط )) فيما سلف ص : 224 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(48) (( المكاء )) : الصفير ، و (( التصدية )) : التصفيق . كانوا يطوفون بالبيت عراة يصفرون بأفواههم ، ويصفقون بأيديهم .
(49) انظر تفسير (( الدعاء )) ، و (( الإخلاص )) فيما سلف من فهارس اللغة ( دعا ) و ( خلص ) .
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)

ثم ذكر ما يأمر به، فقال: { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } أي: بالعدل في العبادات والمعاملات، لا بالظلم والجور. { وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } أي: توجهوا للّه، واجتهدوا في تكميل العبادات، خصوصا { الصلاة } أقيموها، ظاهرا وباطنا، ونقوها من كل نقص ومفسد. { وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي: قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له. والدعاء يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة، أي: لا تراءوا ولا تقصدوا من الأغراض في دعائكم سوى عبودية اللّه ورضاه. { كَمَا بَدَأَكُمْ } أول مرة { تَعُودُونَ } للبعث، فالقادر على بدء خلقكم، قادر على إعادته، بل الإعادة، أهون من البداءة.
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)

قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة
قوله تعالى قل أمر ربي بالقسط قال ابن عباس : لا إله إلا الله . وقيل : القسط العدل ; أي أمر بالعدل فأطيعوه . ففي الكلام حذف .
وأقيموا وجوهكم أي توجهوا إليه في كل صلاة إلى القبلة .
عند كل مسجد أي في أي مسجد كنتم .
وادعوه مخلصين له الدين أي وحدوه ولا تشركوا به .
كما بدأكم تعودون نظيره ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وقد تقدم . والكاف في موضع نصب ; أي تعودون كما بدأكم ; أي كما خلقكم أول مرة يعيدكم . وقال الزجاج : هو متعلق بما قبله . أي ومنها تخرجون كما بدأكم تعودون .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features