إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)

قوله تعالى : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فإن قيل كيف طلب المغفرة لهم وهم كفار ، وكيف قال : وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ، وهذا لا يليق بسؤال المغفرة ، قيل : أما الأول فمعناه إن تعذبهم بإقامتهم على كفرهم وإن تغفر لهم بعد الإيمان وهذا يستقيم على قول السدي : إن هذا السؤال قبل يوم القيامة لأن الإيمان لا ينفع في القيامة .
وقيل : هذا في فريقين منهم ، معناه : إن تعذب من كفر منهم وإن تغفر لمن آمن منهم .
وقيل : ليس هذا على وجه طلب المغفرة ولو كان كذلك لقال : فإنك أنت الغفور الرحيم ، ولكنه على تسليم الأمر وتفويضه إلى مراده .
وأما السؤال الثاني : فكان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ، وكذلك هو في مصحفه ، وأما على القراءة المعروفة قيل فيه تقديم وتأخير تقديره : إن تغفر لهم فإنهم عبادك وإن تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم .
وقيل : معناه إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز في الملك الحكيم في القضاء لا ينقص من عزك شيء ، ولا يخرج من حكمك شيء ، ويدخل في حكمته ومغفرته وسعة رحمته ومغفرته الكفار ، لكنه أخبر أنه لا يغفر وهو لا يخلف خبره .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ثنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني عمر بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم : " رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني " ، الآية . وقول عيسى عليه السلام : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " فرفع يديه وقال : اللهم أمتي وبكى فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد ، - وربك أعلم - فسله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فسأله ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال ، فقال الله تعالى : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك " .
إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)

القول في تأويل قوله : إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنْ تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، بإماتتك إياهم عليها =" فإنهم عبادك "، مستسلمون لك, لا يمتنعون مما أردت بهم، ولا يدفعون عن أنفسهم ضرًّا ولا أمرًا تنالهم به =" وإن تغفر لهم "، بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم =" فإنك أنت العزيز "، (26) في انتقامه ممن أراد الانتقام منه، لا يقدر أحدٌ يدفعه عنه =" الحكيم "، في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة، وتوفيقه من وفَّق منهم لسبيل النجاة من العقاب، كالذي:-
13037 - حثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي في قوله: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم " ، فتخرجهم من النصرانية، وتهديهم إلى الإسلام =" فإنك أنت العزيز الحكيم " . وهذا قول عيسى في الدنيا.
13038 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " ، قال: والله ما كانوا طعَّانين ولا لعَّانين.
--------------------------
الهوامش :
(26) انظر تفسير"العباد" ، و"المغفرة" ، و"العزيز" ، و"الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عبد) ، (غفر) ، (عزز) ، (حكم).
إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)

قوله تعالى : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم
قوله تعالى : إن تعذبهم فإنهم عبادك شرط وجوابه وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم مثله روى النسائي عن أبي ذر قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية ليلة حتى أصبح ، والآية : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم واختلف في تأويله فقيل : قاله على وجه الاستعطاف لهم ، والرأفة بهم ، كما يستعطف السيد لعبده ; ولهذا لم يقل : فإنهم عصوك ، وقيل : قاله على وجه التسليم لأمره والاستجارة من عذابه ، وهو يعلم أنه لا يغفر لكافر ، وقيل الهاء والميم في إن تعذبهم لمن مات منهم على الكفر ، والهاء والميم في وإن تغفر لهم لمن تاب منهم قبل الموت ; وهذا حسن ، وأما قول من قال : إن عيسى عليه السلام لم يعلم أن الكافر لا يغفر له فقول مجترئ على كتاب الله عز وجل ; لأن الأخبار من الله عز وجل لا تنسخ . وقيل : كان عند عيسى أنهم أحدثوا معاصي ، وعملوا بعده بما لم يأمرهم به ، إلا أنهم على عمود دينه ، فقال : وإن تغفر لهم ما أحدثوا بعدي من المعاصي ، وقال : فإنك أنت العزيز الحكيم ولم يقل : فإنك أنت الغفور الرحيم على ما تقتضيه القصة من التسليم لأمره ، والتفويض لحكمه . ولو قال : فإنك أنت الغفور الرحيم لأوهم الدعاء بالمغفرة لمن مات على شركه وذلك مستحيل ; فالتقدير إن تبقهم على كفرهم حتى يموتوا وتعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تهدهم إلى توحيدك وطاعتك فتغفر لهم فإنك أنت العزيز الذي لا يمتنع عليك ما تريده ; الحكيم فيما تفعله ; تضل من تشاء وتهدي من تشاء ، وقد قرأ جماعة : " فإنك أنت الغفور الرحيم " وليست من المصحف . ذكره القاضي عياض في كتاب " الشفا " وقال أبو بكر الأنباري : وقد طعن على القرآن من قال إن قوله : إنك أنت العزيز الحكيم ليس بمشاكل لقوله : وإن تغفر لهم لأن الذي يشاكل المغفرة فإنك أنت الغفور الرحيم ، والجواب أنه لا يحتمل إلا ما أنزله الله ومتى نقل إلى الذي نقله إليه ضعف معناه ; فإنه ينفرد الغفور الرحيم بالشرط الثاني فلا يكون له بالشرط الأول تعلق ، وهو على ما أنزله الله عز وجل ، واجتمع على قراءته المسلمون مقرون بالشرطين كليهما أولهما وآخرهما ; إذ تلخيصه إن تعذبهم فإنك أنت عزيز حكيم ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم في الأمرين كليهما من التعذيب والغفران ، فكان العزيز الحكيم أليق بهذا المكان لعمومه ; فإنه يجمع الشرطين ، ولم يصلح الغفور الرحيم إذ لم يحتمل من العموم ما احتمله العزيز الحكيم ، وما شهد بتعظيم الله تعالى وعدله والثناء عليه في الآية كلها والشرطين المذكورين أولى وأثبت معنى في الآية مما يصلح لبعض الكلام دون بعض . خرج مسلم من غير طريق عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله عز وجل في إبراهيم رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم وقال عيسى عليه السلام : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فرفع يديه وقال : اللهم أمتي وبكى فقال الله عز وجل : ( يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك ) فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم . فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك ) وقال بعضهم : في الآية تقديم وتأخير ومعناه ، إن تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم وإن تغفر لهم فإنهم عبادك ، ووجه الكلام على نسقه أولى لما بيناه ، وبالله التوفيق .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features