سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)

قوله تعالى : ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ) أي : يستوي في علم الله المسر بالقول والجاهر به ( ومن هو مستخف بالليل ) أي : مستتر بظلمة الليل ( وسارب بالنهار ) أي : ذاهب في سربه ظاهر . والسرب - بفتح السين وسكون الراء - : الطريق .
قال القتيبي : سارب بالنهار : أي متصرف في حوائجه . قال ابن عباس [ في هذه الآية ] هو صاحب ريبة ، مستخف بالليل ، فإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم . وقيل : مستخف بالليل ، أي : ظاهر ، من قولهم : خفيت الشيء ; إذا أظهرته ، وأخفيته : إذا كتمته . وسارب بالنهار : أي متوار داخل في سرب .
سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)

القول في تأويل قوله تعالى : سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: معتدلٌ عند الله منكم، (23) أيها الناس، الذي أسر القول, (24) والذي جهر به, (25) والذي هو مستخفٍ بالليل في ظلمته بمعصية الله" وسارب بالنهار "، يقول: وظاهر بالنهار في ضوئه, لا يخفى عليه شيء من ذلك. سواء عنده سِرُّ خلقه وعلانيتهم, لأنه لا يستسرّ عنده شيء ولا يخفى.
* * *
يقال منه: " سَرَبَ يَسْرَبُ سُرُوبًا " إذا ظهر, كما قال قيس بن الخطيم:
أَنَّـى سَـرَيْتِ وَكُـنْتِ غَـيْرَ سَـرُوبِ
وَتُقَــرِّبُ الأحْــلامُ غَـيْر قَـرِيب (26)
يقول: كيف سريت بالليل [على] بُعْد هذا الطريق، (27) ولم تكوني تبرُزين وتظهرين؟
وكان بعضهم يقول: هو السَّالك في سَرْبه: أي في مذهبه ومكانه . (28)
واختلف أهل العلم بكلام العرب في" السّرب ".
فقال بعضهم: " هو آمن في سَرْبه ", بفتح السين.
وقال بعضهم: " هو آمن في سِرْبه " بكسر السين .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
20202- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ بالليل وسارب بالنهار) ، يقول: هو صاحبُ ريبة مستخف بالليل. وإذا خرج بالنهار أرَى الناس أنه بريء من الإثم .
20203- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (وسارب بالنهار)، ظاهر .
20204- حدثنا ابن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي, عن عوف, عن أبي رجاء, في قوله: (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ بالليل وساربٌ بالنهار) قال: إن الله أعلم بهم, سواء من أسر القول ومن جهر به, ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار .
20205- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا علي بن عاصم, عن عوف, عن أبي رجاء: (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) قال: من هو مستخف في بيته(وسارب بالنهار)، ذاهب على وجهه. علمه فيهم واحدٌ .
20206- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به) ، يقول: السر والجهر عنده سواء(ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) أما " المستخفي" ففي بيته, وأما " السارب ": الخارج بالنهار حيثما كان. المستخفي غَيْبَه الذي يغيب فيه والخارجُ، عنده سواء .
20207- ... قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا شريك, عن خصيف, في قوله: (مستخف بالليل) قال: راكب رأسه في المعاصي(وسارب بالنهار) قال: ظاهر بالنهار .
20208- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) كل ذلك عنده تبارك وتعالى سواء، السر عنده علانية قوله: (ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) ، أي: في ظلمة الليل, و " سارب ": أي: ظاهر بالنهار .
20209- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك, عن خصيف, عن مجاهد وعكرمة: (وسارب بالنهار) قال: ظاهر بالنهار.
* * *
و " مَنْ" في قوله: (من أسرّ القول ومَنْ جهر به ومَنْ هو مستخف بالليل) رفع الأولى منهن بقوله: " سواء " . والثانية معطوفة على الأولى، والثالثة على الثانية .
----------------------
الهوامش :
(23) انظر تفسير" سواء" فيما سلف من فهارس اللغة ( سوى ) .
(24) انظر تفسير" الإسرار" فيما سلف ص : 198 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(25) انظر تفسير" الجهر" فيما سلف 9 : 343 - 349 ، 358 /11 : 368 / 13 : 353 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(26) ديوانه : 5 ، واللسان ( سرب ) وغيرها كثير . ويروى" سربت" بالباء الموحدة أيضًا وقوله :" غير سروب" ، أي : غير مبعدة في مذهبك ، أو كما قال أبو جعفر في تفسيره بعد .
(27) الزيادة بين القوسين لا بد منها لتصحيح معنى الكلام .
(28) أرجح أنه يعني أبا عبيدة في مجاز القرآن 1 : 323 ، ولكن لفظه :" سالك في سربه ، أي مذاهبه ووجوهه" ، وهو أجود مما في التفسير ، وأخشى أن يكون من تحريف الناسخ أو سهوه .
سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)

يخبر تعالى عن إحاطة علمه بجميع خلقه ، سواء منهم من أسر قوله أو جهر به ، فإنه يسمعه لا يخفى عليه شيء كما قال : ( وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ) [ طه : 7 ] وقال : ( ويعلم ما تخفون وما تعلنون ) [ النمل : 25 ] وقالت عائشة ، رضي الله عنها : سبحان الذي وسع سمعه الأصوات ، والله لقد جاءت المجادلة تشتكي زوجها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا في جنب البيت ، وإنه ليخفى علي بعض كلامها ، فأنزل الله : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) [ المجادلة : 1 ] .
وقوله : ( ومن هو مستخف بالليل ) أي : مختف في قعر بيته في ظلام الليل ، ( وسارب بالنهار ) أي : ظاهر ماش في بياض النهار وضيائه ، فإن كليهما في علم الله على السواء ، كما قال تعالى : ( ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون ) [ هود : 5 ] وقال تعالى : ( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) [ يونس : 61 ] .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features