لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)

قال الله تعالى : ( لعمرك ) يا محمد أي وحياتك ( إنهم لفي سكرتهم ) حيرتهم وضلالتهم ( يعمهون ) يترددون .
قال قتادة : يلعبون .
روي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما خلق الله نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم ، وما أقسم الله تعالى بحياة أحد إلا بحياته .
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)

وقوله ( لَعَمْرُكَ ) يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وحياتك يا محمد، إن قومك من قريش ( لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) يقول: لفي ضلالتهم وجهلهم يتردّدون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا سعيد بن زيد، قال: ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوْزاء، عن ابن عباس، قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم على الله من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، قال الله تعالى ذكره ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ).
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضْرميّ، قال: ثنا الحسن بن أبي جعفر، قال: ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، في قول الله ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) قال: ما حلف الله تعالى بحياة أحد إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك في الدنيا( إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ).
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) وهي كلمة من كلام العرب ، لفي سكرتهم: أي في ضلالتهم يعمهون: أي يلعبون.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، قال: سألت الأعمش، عن قوله ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) قال: لفي غفلتهم يتردّدون.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( فِي سَكْرَتِهِم ) قال: في ضلالتهم يعمهون قال: يلعبون.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال مجاهد ( يَعْمَهُونَ ) قال: يتردّدون.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( لَعَمْرُكَ ) يقول: لَعَيْشُكَ( إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) قال: يتمادَوْن.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون أن يقول الرجل: لعمري، يرونه كقوله: وَحَيَاتِي.
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)

قال الله تعالى : ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) [ يقول : وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا " إنهم لفي سكرتهم يعمهون ] رواه ابن جرير .
وقال قتادة : ( في سكرتهم ) أي : في ضلالتهم ، ( يعمهون ) أي : يلعبون .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( لعمرك ) لعيشك ، ( إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) قال : يتحيرون
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)

قوله تعالى : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قال القاضي أبو بكر بن العربي : قال المفسرون بأجمعهم أقسم الله - تعالى - هاهنا بحياة محمد - صلى الله عليه وسلم - تشريفا له ، أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حيرتهم يترددون . قلت : وهكذا قال القاضي عياض : أجمع أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - . وأصله ضم العين من العمر ولكنها فتحت لكثرة الاستعمال . ومعناه وبقائك يا محمد . وقيل وحياتك . وهذا نهاية التعظيم وغاية البر والتشريف . قال أبو الجوزاء : ما أقسم الله بحياة أحد غير محمد - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه أكرم البرية عنده . قال ابن العربي : " ما الذي يمنع أن يقسم الله - سبحانه وتعالى - بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء ، وكل ما يعطيه الله - تعالى - للوط من فضل يؤتي ضعفيه من شرف لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه أكرم على الله منه ; أولا ترى أنه سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم وأعطى ذلك لمحمد ، فإذا أقسم بحياة لوط فحياة محمد أرفع . ولا يخرج من كلام إلى كلام لم يجر له ذكر لغير ضرورة " . قلت : ما قاله حسن ; فإنه كان يكون قسمه سبحانه بحياة محمد - صلى الله عليه وسلم - كلاما معترضا في قصة لوط . قال القشيري أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم في تفسيره : ويحتمل أن يقال : يرجع ذلك إلى قوم لوط ، أي كانوا في سكرتهم يعمهون . وقيل : لما وعظ لوط قومه وقال هؤلاء بناتي قالت الملائكة : يا لوط ، لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ولا يدرون ما يحل بهم صباحا . فإن قيل : فقد أقسم - تعالى - بالتين والزيتون وطور سينين ; فما في هذا ؟ قيل له : ما من شيء أقسم الله به إلا وذلك دلالة على فضله على ما يدخل في عداده ، فكذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يكون أفضل ممن هو في عداده . والعمر والعمر ( بضم العين وفتحها ) لغتان ومعناهما واحد ; إلا أنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح لكثرة الاستعمال . وتقول : عمرك الله ، أي أسأل الله تعميرك . ولعمرك رفع بالابتداء وخبره محذوف . المعنى لعمرك مما أقسم به .
الثانية : كره كثير من العلماء أن يقول الإنسان لعمري ; لأن معناه وحياتي . قال إبراهيم النخعي : يكره للرجل أن يقول لعمري ; لأنه حلف بحياة نفسه ، وذلك من كلام ضعفة الرجال . ونحو هذا قال مالك : إن المستضعفين من الرجال والمؤنثين يقسمون بحياتك وعيشك ، وليس من كلام أهل الذكران ، وإن كان الله سبحانه أقسم به في هذه القصة ، فذلك بيان لشرف المنزلة والرفعة لمكانه ، فلا يحمل عليه سواه ولا يستعمل في غيره . وقال ابن حبيب : ينبغي أن يصرف لعمرك في الكلام لهذه الآية . وقال قتادة : هو من كلام العرب . قال ابن العربي : وبه أقول ، لكن الشرع قد قطعه في الاستعمال ورد القسم إليه .
قلت . القسم ب " لعمرك ولعمري " ونحوه في أشعار العرب وفصيح كلامها كثير .
قال النابغة :
لعمري وما عمري علي بهين لقد نطقت بطلا علي الأقارع
آخر :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد
آخر :
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
آخر :
إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها
وقال بعض أهل المعاني : لا يجوز هذا ; لأنه لا يقال لله عمر ، وإنما هو - تعالى - أزلي . ذكره الزهراوي .
الثالثة : قد مضى الكلام فيما يحلف به وما لا يجوز الحلف به في " المائدة " ، وذكرنا هناك قول أحمد بن حنبل فيمن أقسم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لزمته الكفارة . قال ابن خويز منداد : من جوز الحلف بغير الله - تعالى - مما يجوز تعظيمه بحق من الحقوق فليس يقول إنها يمين تتعلق بها كفارة ; إلا أنه من قصد الكذب كان ملوما ; لأنه في الباطن مستخف بما وجب عليه تعظيمه . قالوا : وقوله - تعالى - لعمرك أي وحياتك . وإذا أقسم الله - تعالى - بحياة نبيه فإنما أراد بيان التصريح لنا أنه يجوز لنا أن نحلف بحياته . وعلى مذهب مالك معنى قوله : لعمرك والتين والزيتون . والطور وكتاب مسطور والنجم إذا هوى والشمس وضحاها لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد كل هذا معناه : وخالق التين والزيتون ، وبرب الكتاب المسطور ، وبرب البلد الذي حللت به ، وخالق عيشك وحياتك ، وحق محمد ; فاليمين والقسم حاصل به سبحانه لا بالمخلوق . قال ابن خويز منداد : ومن جوز اليمين بغير الله - تعالى - تأول قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تحلفوا بآبائكم وقال : إنما نهى عن الحلف بالآباء الكفار ، ألا ترى أنه قال لما حلفوا بآبائهم : ( للجبل عند الله أكرم من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية ) . ومالك حمل الحديث على ظاهره . قال ابن خويز منداد : واستدل أيضا من جوز ذلك بأن أيمان المسلمين جرت منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا أن يحلفوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، حتى أن أهل المدينة إلى يومنا هذا إذا حاكم أحدهم صاحبه قال : احلف لي بحق ما حواه هذا القبر ، وبحق ساكن هذا القبر ، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك بالحرم والمشاعر العظام ، والركن والمقام والمحراب وما يتلى فيه .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features