لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)

قوله تعالى : ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ) الآية . قال مسروق وقتادة والضحاك : أراد ليس بأمانيكم أيها المسلمون ولا أماني أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى ، وذلك أنهم افتخروا ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم ، وقال المسلمون : نبينا خاتم الأنبياء وكتابنا يقضي على الكتب ، وقد آمنا بكتابكم ولم تؤمنوا بكتابنا فنحن أولى .
وقال مجاهد : ( ليس بأمانيكم ) يا مشركي أهل الكتاب ، وذلك أنهم قالوا : لا بعث ولا حساب ، وقال أهل الكتاب : " لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " ( البقرة - 80 ) " لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " ( البقرة - 111 ) ، فأنزل الله تعالى : ( ليس بأمانيكم ) أي : ليس الأمر بالأماني وإنما الأمر بالعمل الصالح .
( من يعمل سوءا يجز به ) وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وجماعة : الآية عامة في حق كل عامل .
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت هذه الآية شقت على المسلمين وقالوا : يا رسول الله وأينا لم يعمل سوءا غيرك فكيف الجزاء؟ قال : " منه ما يكون في الدنيا ، فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات ، ومن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشر ، وبقيت له تسع حسنات ، فويل لمن غلبت آحاده أعشاره ، وأما ما يكون جزاء في الآخرة فيقابل بين حسناته وسيئاته ، فيلقى مكان كل سيئة حسنة وينظر في الفضل ، فيعطى الجزاء في الجنة فيؤتي كل ذي فضل فضله " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، ثنا أبو بكر محمد بن أحمد العبدوسي ، ثنا أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه ببغداد ، ثنا يحيى بن جعفر بن الزبرقان والحرث بن محمد ، قالا ثنا روح هو ابن عبادة ، ثنا موسى بن عبيدة ، أخبرني مولى بن سباع : سمعت عبد الله بن عمر يحدث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه هذه الآية : ( من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر ألا أقرئك آية أنزلت علي؟ قال : قلت بلى ، قال : فأقرأنيها ، قال : ولا أعلم إلا أني وجدت انفصاما في ظهري حتى تمطيت لها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك يا أبا بكر؟ فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأينا لم يعمل سوءا؟ إنا لمجزيون بكل سوء عملناه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ، وليست لكم ذنوب ، وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا يوم القيامة " .
لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)

أي: { لَيْسَ ْ} الأمر والنجاة والتزكية { بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ْ} والأماني: أحاديث النفس المجردة عن العمل، المقترن بها دعوى مجردة لو عورضت بمثلها لكانت من جنسها. وهذا عامّ في كل أمر، فكيف بأمر الإيمان والسعادة الأبدية؟! فإن أماني أهل الكتاب قد أخبر الله بها أنهم قالوا: { لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ْ} وغيرهم ممن ليس ينتسب لكتاب ولا رسول من باب أولى وأحرى. وكذلك أدخل الله في ذلك من ينتسب إلى الإسلام لكمال العدل والإنصاف، فإن مجرد الانتساب إلى أي دين كان، لا يفيد شيئا إن لم يأت الإنسان ببرهان على صحة دعواه، فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها ولهذا قال تعالى: { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ْ} وهذا شامل لجميع العاملين، لأن السوء شامل لأي ذنب كان من صغائر الذنوب وكبائرها، وشامل أيضا لكل جزاء قليل أو كثير، دنيوي أو أخروي. والناس في هذا المقام درجات لا يعلمها إلا الله، فمستقل ومستكثر، فمن كان عمله كله سوءا وذلك لا يكون إلا كافرا. فإذا مات من دون توبة جوزي بالخلود في العذاب الأليم. ومن كان عمله صالحا، وهو مستقيم في غالب أحواله، وإنما يصدر منه بعض الأحيان بعض الذنوب الصغار فما يصيبه من الهم والغم والأذى و [بعض] الآلام في بدنه أو قلبه أو حبيبه أو ماله ونحو ذلك - فإنها مكفرات للذنوب، وهي مما يجزى به على عمله، قيضها الله لطفا بعباده، وبين هذين الحالين مراتب كثيرة. وهذا الجزاء على عمل السوء العام مخصوص في غير التائبين، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما دلت على ذلك النصوص. وقوله: { وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ْ} لإزالة بعض ما لعله يتوهم أن من استحق المجازاة على عمله قد يكون له ولي أو ناصر أو شافع يدفع عنه ما استحقه، فأخبر تعالى بانتفاء ذلك، فليس له ولي يحصل له المطلوب، ولا نصير يدفع عنه المرهوب، إلا ربه ومليكه.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features