وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)

( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ) يعني : امرأة العزيز . والمراودة : طلب الفعل ، والمراد ها هنا أنها دعته إلى نفسها ليواقعها ( وغلقت الأبواب ) أي : أطبقتها ، وكانت سبعة ( وقالت هيت لك ) أي : هلم وأقبل .
قرأه أهل الكوفة والبصرة : ( هيت لك ) بفتح الهاء والتاء .
وقرأ أهل المدينة والشام : ( هيت ) بكسر الهاء وفتح التاء .
وقرأ ابن كثير : ( هيت ) بفتح الهاء وضم التاء .
وقرأ السلمي وقتادة : ( هئت لك ) بكسر الهاء وضم التاء مهموزا ، يعني : تهيأت لك ، وأنكره أبو عمرو والكسائي وقالا لم يحك هذا عن العرب .
والأول هو المعروف عند العرب .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم ( هيت لك ) .
قال أبو عبيدة كان الكسائي يقول : هي لغة لأهل حوران رفعت إلى الحجاز معناها [ إلي ] تعال .
وقال عكرمة : هي أيضا بالحورانية هلم .
وقال مجاهد وغيره : هي لغة عربية وهي كلمة حث وإقبال على الشيء .
قال أبو عبيدة : إن العرب لا تثني ( هيت ) ولا تجمع ولا تؤنث ، وإنها بصورة واحدة في كل حال .
( قال ) يوسف لها عند ذلك : ( معاذ الله ) أي : أعوذ بالله وأعتصم بالله مما دعوتني إليه ( إنه ربي ) يريد أن زوجك قطفير سيدي ( أحسن مثواي ) أي : أكرم منزلي . هذا قول أكثر المفسرين .
وقيل : الهاء راجعة إلى الله تعالى ، يريد : أن الله تعالى ربي أحسن مثواي ، أي : آواني ، ومن بلاء الجب عافاني .
( إنه لا يفلح الظالمون ) يعني : إن فعلت هذا فخنته في أهله بعد ما أكرم مثواي فأنا ظالم ، ولا يفلح الظالمون .
وقيل : لا يفلح الظالمون : أي لا يسعد الزناة .
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)

تفسير الآيتين 23 و 24 :ـ
هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجرا، لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة، لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته، فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعا أو كارها، وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرما في بيت العزيز، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك، أن { رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ } أي: هو غلامها، وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد، ولا إحساس بشر.
{ وَ } زادت المصيبة، بأن { غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ } وصار المحل خاليا، وهما آمنان من دخول أحد عليهما، بسبب تغليق الأبواب، وقد دعته إلى نفسها { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } أي: افعل الأمر المكروه وأقبل إليَّ، ومع هذا فهو غريب، لا يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه، وهو أسير تحت يدها، وهي سيدته، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وهو شاب عزب، وقد توعدته، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن، أو العذاب الأليم.
فصبر عن معصية الله، مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هما تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف، عن هذه المعصية الكبيرة، و { قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ } أي: أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي.
فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة، وهذا من أعظم الظلم، والظالم لا يفلح، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله واختارهم، واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features