الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)

( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) قال علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم والنخعي وقتادة : هذا في الصلاة يصلي قائما فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنب .
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ، أنا هناد أنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان ، عن حسين المعلم ، عن عبد الله بن بريدة ، عن عمران بن حصين قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة المريض فقال : " صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب " . .
وقال سائر المفسرين أراد به المداومة على الذكر في عموم الأحوال لأن الإنسان قل ما يخلو من إحدى هذه الحالات الثلاث ، نظيره في سورة النساء " فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ( النساء - 103 ) ، ( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) وما أبدع فيهما ليدلهم ذلك على قدرة الله ويعرفوا أن لها صانعا قادرا مدبرا حكيما قال ابن عون : الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية كما يحدث الماء للزرع النبات ، وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكرة ، ( ربنا ) أي : ويقولون ربنا ( ما خلقت هذا ) رده إلى الخلق فلذلك لم يقل هذه ، ( باطلا ) أي : عبثا وهزلا بل خلقته لأمر عظيم وانتصب الباطل بنزع الخافض ، أي : بالباطل ، ( سبحانك فقنا عذاب النار )
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)

ثم وصف أولي الألباب بأنهم { يذكرون الله } في جميع أحوالهم: { قياما وقعودا وعلى جنوبهم } وهذا يشمل جميع أنواع الذكر بالقول والقلب، ويدخل في ذلك الصلاة قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، وأنهم { يتفكرون في خلق السماوات والأرض } أي: ليستدلوا بها على المقصود منها، ودل هذا على أن التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين، فإذا تفكروا بها، عرفوا أن الله لم يخلقها عبثا، فيقولون: { ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك } عن كل ما لا يليق بجلالك، بل خلقتها بالحق وللحق، مشتملة على الحق. { فقنا عذاب النار } بأن تعصمنا من السيئات، وتوفقنا للأعمال الصالحات، لننال بذلك النجاة من النار. ويتضمن ذلك سؤال الجنة، لأنهم إذا وقاهم الله عذاب النار حصلت لهم الجنة، ولكن لما قام الخوف بقلوبهم، دعوا الله بأهم الأمور عندهم،
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)

القول في تأويل قوله : الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
قال أبو جعفر: وقوله: " الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا " من نعت " أولي الألباب "، و " الذين " في موضع خفض ردًّا على قوله: لأُولِي الأَلْبَابِ .
* * *
ومعنى الآية: إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذاكرين الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم= يعني بذلك: قيامًا في صلاتهم، وقعودًا في تشهدهم وفي غير صلاتهم، وعلى جنوبهم نيامًا. كما:-
8354 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: " الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا " الآية، قال: هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة، وقراءة القرآن.
8355 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم "، وهذه حالاتك كلها يا ابن آدم، فاذكره وأنت على جنبك، يُسرًا من الله وتخفيفًا.
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وكيف قيل: " وعلى جنوبهم ": فعطف بـ" على "، وهي صفة، (30) على " القيام والقعود " وهما اسمان؟
قيل: لأن قوله: " وعلى جنوبهم " في معنى الاسم، ومعناه: ونيامًا، أو: " مضطجعين على جنوبهم "، فحسن عطف ذلك على " القيام " و " القعود " لذلك المعنى، كما قيل: وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا [سورة يونس: 12] فعطف بقوله: أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا على قوله: لِجَنْبِهِ ، لأن معنى قوله: لِجَنْبِهِ ، مضطجعا، (31) فعطف بـ" القاعد " و " القائم " على معناه، فكذلك ذلك في قوله: " وعلى جنوبهم ". (32)
* * *
وأما قوله: " ويتفكرون في خلق السموات والأرض "، فإنه يعني بذلك أنهم يعتبرون بصنعة صانع ذلك، فيعلمون أنه لا يصنع ذلك إلا مَن ليس كمثله شيء، ومن هو مالك كل شيء ورازقه، وخالق كل شيء ومدبره، ومن هو على كل شيء قدير، وبيده الإغناء والإفقار، والإعزاز والإذلال، والإحياء والإماتة، والشقاء والسعادة.
* * *
القول في تأويل قوله : رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قائلين: " ربنا ما خلقت هذا باطلا "، فترك ذكر " قائلين "، إذ كان فيما ظهر من الكلام دلالة عليه.
* * *
وقوله: " ما خلقت هذا باطلا " يقول: لم تخلق هذا الخلق عبثًا ولا لعبًا، ولم تخلقه إلا لأمر عظيم من ثواب وعقاب ومحاسبة ومجازاة، وإنما قال: " ما خلقت هذا باطلا " ولم يقل: " ما خلقت هذه، ولا هؤلاء "، لأنه أراد بـ" هذا "، الخلقَ الذي في السموات والأرض. يدل على ذلك قوله: " سبحانك فقنا عذاب النار "، ورغبتهم إلى ربهم في أن يقيهم عذاب الجحيم. ولو كان المعنيّ بقوله: " ما خلقت هذا باطلا "، السموات والأرض، لما كان لقوله عقيب ذلك: " فقنا عذاب النار "، معنى مفهوم. لأن " السموات والأرض " أدلة على بارئها، لا على الثواب والعقاب، وإنما الدليل على الثواب والعقاب، الأمر والنهي.
وإنما وصف جل ثناؤه: " أولي الألباب " الذين ذكرهم في هذه الآية: أنهم إذا رأوا المأمورين المنهيّين قالوا: " يا ربنا لم تخلُق هؤلاء باطلا عبثًا سبحانك "، يعني: تنـزيهًا لك من أن تفعل شيئًا عبثًا، ولكنك خلقتهم لعظيم من الأمر، لجنة أو نار.
ثم فَزِعوا إلى ربهم بالمسألة أن يجيرهم من عذاب النار، وأن لا يجعلهم ممن عصاه وخالف أمره، فيكونوا من أهل جهنم.
-------------------
الهوامش :
(30) "الصفة": حرف الجر ، كما سلف في مواضع كثيرة ، وانظر 1: 299 ، تعليق: 1 ، وفهرس المصطلحات في الأجزاء السالفة.
(31) انظر ما سلف 3: 475.
(32) انظر معاني القرآن للفراء 1: 250.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features