ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)

( ثم أنزل عليكم ) يا معشر المسلمين ، ( من بعد الغم أمنة نعاسا ) يعني : أمنا ، والأمن والأمنة بمعنى واحد وقيل : الأمن يكون مع زوال سبب الخوف والأمنة مع بقاء سبب الخوف وكان سبب الخوف هنا قائما ، ( نعاسا ) بدل من الأمنة ( يغشى طائفة منكم ) قرأ حمزة والكسائي " تغشى " بالتاء ردا إلى الأمنة وقرأ الآخرون بالياء ردا على النعاس .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : أمنهم يومئذ بنعاس يغشاهم وإنما ينعس من يأمن ، والخائف لا ينام .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن ، أنا حسين بن محمد ، أخبرنا شيبان عن قتادة أخبرنا أنس أن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد قال : فجعل سيفي يسقط من يدي فآخذه ويسقط وآخذه " .
وقال ثابت عن أنس عن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت ما أرى أحدا من القوم إلا وهو يميل تحت جحفته من النعاس .
وقال عبد الله بن الزبير عن أبيه الزبير بن العوام لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد علينا الحرب ، أرسل الله علينا النوم والله إني لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحلم ، يقول : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا فذلك قوله تعالى : ( يغشى طائفة منكم ) يعني : المؤمنين ، ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ) يعني : المنافقين : قيل : أراد الله به تمييز المنافقين من المؤمنين فأوقع النعاس على المؤمنين حتى أمنوا ولم يوقع على المنافقين فبقوا في الخوف وقد أهمتهم أنفسهم أي : حملتهم على الهم يقال : أمر مهم .
( يظنون بالله غير الحق ) أي : لا ينصر محمدا ، وقيل : ظنوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل ، ( ظن الجاهلية ) أي : كظن أهل الجاهلية والشرك ، ( يقولون هل لنا ) ما لنا : لفظه استفهام ومعناه حجد ، ( من الأمر من شيء ) يعني : النصر ، ( قل إن الأمر كله لله ) قرأ أهل البصرة برفع اللام على الابتداء وخبره في ( لله ) وقرأ الآخرون بالنصب على البدل وقيل : على النعت .
( يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) وذلك أن المنافقين قال بعضهم لبعض : لو كان لنا عقول لم نخرج مع محمد إلى قتال أهل مكة ولم يقتل رؤساؤنا ، وقيل : لو كنا على الحق ما قتلنا هاهنا .
قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يعني : التكذيب بالقدر وهو قولهم ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب ) قضي ، ( عليهم القتل إلى مضاجعهم ) مصارعهم ، ( وليبتلي الله ) وليمتحن الله ، ( ما في صدوركم وليمحص ) يخرج ويظهر ( ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ) بما في القلوب من خير وشر .
ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)

ويحتمل أن معنى قوله: { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم } يعني: أنه قدَّر ذلك الغم والمصيبة عليكم، لكي تتوطن نفوسكم، وتمرنوا على الصبر على المصيبات، ويخف عليكم تحمل المشقات: { ثم أنزل عليكم من بعد الغم } الذي أصابكم { أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم } ولا شك أن هذا رحمة بهم، وإحسان وتثبيت لقلوبهم، وزيادة طمأنينة؛ لأن الخائف لا يأتيه النعاس لما في قلبه من الخوف، فإذا زال الخوف عن القلب أمكن أن يأتيه النعاس. وهذه الطائفة التي أنعم الله عليها بالنعاس هم المؤمنون الذين ليس لهم هم إلا إقامة دين الله، ورضا الله ورسوله، ومصلحة إخوانهم المسلمين. وأما الطائفة الأخرى الذين { قد أهمتهم أنفسهم } فليس لهم هم في غيرها، لنفاقهم أو ضعف إيمانهم، فلهذا لم يصبهم من النعاس ما أصاب غيرهم، { يقولون هل لنا من الأمر من شيء } وهذا استفهام إنكاري، أي: ما لنا من الأمر -أي: النصر والظهور- شيء، فأساءوا الظن بربهم وبدينه ونبيه، وظنوا أن الله لا يتم أمر رسوله، وأن هذه الهزيمة هي الفيصلة والقاضية على دين الله، قال الله في جوابهم: { قل إن الأمر كله لله } الأمر يشمل الأمر القدري، والأمر الشرعي، فجميع الأشياء بقضاء الله وقدره، وعاقبة النصر والظفر لأوليائه وأهل طاعته، وإن جرى عليهم ما جرى. { يخفون } يعني المنافقين { في أنفسهم ما لا يبدون لك } ثم بين الأمر الذي يخفونه، فقال: { يقولون لو كان لنا من الأمر شيء } أي: لو كان لنا في هذه الواقعة رأي ومشورة { ما قتلنا هاهنا } وهذا إنكار منهم وتكذيب بقدر الله، وتسفيه منهم لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأي أصحابه، وتزكية منهم لأنفسهم، فرد الله عليهم بقوله: { قل لو كنتم في بيوتكم } التي هي أبعد شيء عن مظان القتل { لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } فالأسباب -وإن عظمت- إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء، فإذا عارضها القدر لم تنفع شيئا، بل لا بد أن يمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة، { وليبتلي الله ما في صدوركم } أي: يختبر ما فيها من نفاق وإيمان وضعف إيمان، { وليمحص ما في قلوبكم } من وساوس الشيطان، وما تأثر عنها من الصفات غير الحميدة. { والله عليم بذات الصدور } أي: بما فيها وما أكنته، فاقتضى علمه وحكمته أن قدر من الأسباب، ما به تظهر مخبآت الصدور وسرائر الأمور.
ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)

قوله تعالى : ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا الأمنة والأمن سواء . وقيل : الأمنة إنما تكون مع أسباب الخوف ، والأمن مع عدمه . وهي منصوبة ب أنزل ، ونعاسا بدل منها . وقيل : نصب على المفعول له ; كأنه قال : أنزل عليكم للأمنة نعاسا . وقرأ ابن محيصن " أمنة " بسكون الميم . تفضل الله تعالى على المؤمنين بعد هذه الغموم في يوم أحد بالنعاس حتى نام أكثرهم ; وإنما ينعس من يأمن والخائف لا ينام . روى البخاري عن أنس أن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه .
يغشى قرئ بالياء والتاء . الياء للنعاس ، . والتاء للأمنة . وطائفة قد أهمتهم أنفسهم والطائفة تطلق على الواحد والجماعة . يعني المنافقين : معتب بن قشير وأصحابه ، وكانوا خرجوا طمعا في الغنيمة وخوف المؤمنين فلم يغشهم النعاس وجعلوا يتأسفون على الحضور ، ويقولون الأقاويل . ومعنى قد أهمتهم أنفسهم حملتهم على الهم ، والهم ما هممت به ; يقال : أهمني الشيء أي كان من همي . وأمر مهم : شديد . وأهمني الأمر : أقلقني : وهمني : أذابني . والواو في قوله وطائفة واو الحال بمعنى إذ ، أي إذ طائفة يظنون أن أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - باطل ، وأنه لا ينصر . ظن الجاهلية أي ظن أهل الجاهلية ، فحذف . يقولون هل لنا من الأمر من شيء لفظه استفهام ومعناه الجحد ، أي ما لنا شيء من الأمر ، أي من أمر الخروج ، وإنما خرجنا كرها ; يدل عليه قوله تعالى إخبارا عنهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا . قال الزبير : أرسل علينا النوم ذلك اليوم ، وإني لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني يقول : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا . وقيل : المعنى يقول ليس لنا من الظفر الذي وعدنا به محمد شيء ، والله أعلم .
قوله تعالى : قل إن الأمر كله لله قرأ أبو عمرو ويعقوب " كله " بالرفع على الابتداء ، وخبره " لله " ، والجملة خبر " إن " . وهو كقوله : ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة . والباقون بالنصب ; كما تقول : إن الأمر أجمع لله . فهو توكيد ، وهو بمعنى أجمع في الإحاطة والعموم ، وأجمع لا يكون إلا توكيدا . وقيل : نعت للأمر . وقال الأخفش : بدل ; أي النصر بيد الله ينصر من يشاء ويخذل من يشاء . وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يعني التكذيب بالقدر . وذلك أنهم تكلموا فيه ، فقال الله تعالى : قل إن الأمر كله لله يعني القدر خيره وشره من الله .
يخفون في أنفسهم أي من الشرك والكفر والتكذيب . ما لا يبدون لك يظهرون لك . يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا أي ما قتل عشائرنا . فقيل : إن المنافقين قالوا لو كان لنا عقل ما خرجنا إلى قتال أهل مكة ، ولما قتل رؤساؤنا . فرد الله عليهم فقال : قل لو كنتم في بيوتكم لبرز أي لخرج . الذين كتب أي فرض . عليهم القتل يعني في اللوح المحفوظ . إلى مضجاعهم أي مصارعهم . وقيل : كتب عليهم القتل أي فرض عليهم القتال ، فعبر عنه بالقتل ; لأنه قد يئول إليه . وقرأ أبو حيوة " لبرز " بضم الباء وشد الراء ; بمعنى يجعل يخرج . وقيل : لو تخلفتم أيها المنافقون لبرزتم إلى موطن آخر غيره تصرعون فيه حتى يبتلي الله ما في الصدور ويظهره للمؤمنين . والواو في قوله : وليبتلي مقحمة كقوله : وليكون من الموقنين أي ليكون ، وحذف الفعل الذي مع لام كي . والتقدير وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم فرض الله عليكم القتال والحرب ولم ينصركم يوم أحد ليختبر صبركم وليمحص عنكم سيئاتكم إن تبتم وأخلصتم . وقيل : معنى ليبتلي ليعاملكم معاملة المختبر . وقيل : ليقع منكم مشاهدة ما علمه غيبا . وقيل : هو على حذف مضاف ، والتقدير ليبتلي أولياء الله تعالى . وقد تقدم معنى التمحيص . والله عليم بذات الصدور أي ما فيها من خير وشر . وقيل : ذات الصدور هي الصدور ; لأن ذات الشيء نفسه .
ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)

يقول تعالى ممتنا على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة ، وهو النعاس الذي غشيهم وهم مستلئمو السلاح في حال همهم وغمهم ، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان كما قال تعالى في سورة الأنفال ، في قصة بدر : ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه [ وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ] ) [ الأنفال : 11 ] .
وقال [ الإمام ] أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو نعيم ووكيع عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن عبد الله بن مسعود قال : النعاس في القتال من الله ، وفي الصلاة من الشيطان .
قال البخاري : قال لي خليفة : حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، رضي الله عنه ، قال : كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد ، حتى سقط سيفي من يدي مرارا ، يسقط وآخذه ، ويسقط وآخذه .
هكذا رواه في المغازي معلقا . ورواه في كتاب التفسير مسندا عن شيبان ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد . قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه .
وقد رواه الترمذي والنسائي والحاكم ، من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحد ، وجعلت أنظر وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس . لفظ الترمذي ، وقال : حسن صحيح .
ورواه النسائي أيضا ، عن محمد بن المثنى ، عن خالد بن الحارث ، عن أبي قتيبة ، عن ابن أبي عدي ، كلاهما عن حميد ، عن أنس قال : قال أبو طلحة : كنت فيمن ألقي عليه النعاس - الحديث .
وهكذا روي عن الزبير وعبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنه .
وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسين محمد بن يعقوب ، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا شيبان ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ، أن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه ، قال : والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم ، أجبن قوم وأرعنه ، وأخذله للحق ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) كذبة ، أهل شك وريب في الله عز وجل .
هكذا رواه بهذه الزيادة ، وكأنها من كلام قتادة ، رحمه الله ، وهو كما قال ، فإن الله عز وجل يقول : ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم ) يعني : أهل الإيمان واليقين والثبات والتوكل الصادق ، وهم الجازمون بأن الله سينصر رسوله وينجز له مأموله ، ولهذا قال : ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ) يعني : لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) كما قال في الآية الأخرى : ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا [ وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ] ) [ الفتح : 12 ] وهكذا هؤلاء ، اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة وأن الإسلام قد باد وأهله ، هذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة ، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة .
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم ( يقولون ) في تلك الحال : ( هل لنا من الأمر من شيء ) قال الله تعالى : ( قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ) ثم فسر ما أخفوه في أنفسهم بقوله : ( يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) أي : يسرون هذه المقالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال [ محمد ] بن إسحاق بن يسار : فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال الزبير : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا ، أرسل الله علينا النوم ، فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره ، قال : فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ، ما أسمعه إلا كالحلم ، [ يقول ] ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) فحفظتها منه ، وفي ذلك أنزل الله [ تعالى ] ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) لقول معتب . رواه ابن أبي حاتم .
قال الله تعالى : ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) أي : هذا قدر مقدر من الله عز وجل ، وحكم حتم لا يحاد عنه ، ولا مناص منه .
وقوله : ( وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم ) أي يختبركم بما جرى عليكم ، وليميز الخبيث من الطيب ، ويظهر أمر المؤمن والمنافق للناس في الأقوال والأفعال ، ( والله عليم بذات الصدور ) أي : بما يختلج في الصدور من السرائر والضمائر .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features