وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)

قوله عز وجل : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) الآية . قال محمد بن كعب القرظي والكلبي : قالت قريش يا محمد إنك تخبرنا أن موسى كان معه عصى يضرب بها الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا ، وتخبرنا أن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى فأتنا من الآيات حتى نصدقك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي شيء تحبون؟ قالوا : تجعل لنا الصفا ذهبا أو ابعث لنا بعض أمواتنا حتى نسأله عنك أحق ما تقول أم باطل ، أو أرنا الملائكة يشهدون لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني؟ قالوا : نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين ، وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يجعل الصفا ذهبا فجاءه جبريل عليه السلام ، فقال له : اختر ما شئت إن شئت أصبح ذهبا ولكن إن لم يصدقوا عذبتهم ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل يتوب تائبهم ، فأنزل الله عز وجل : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) أي : حلفوا بالله جهد أيمانهم ، أي : بجهد أيمانهم ، يعني أوكد ما قدروا عليه من الأيمان وأشدها .
قال الكلبي ومقاتل : إذا حلف الرجل بالله ، فهو جهد يمينه .
( لئن جاءتهم آية ) كما جاءت من قبلهم من الأمم ، ( ليؤمنن بها قل ) يا محمد ، ( إنما الآيات عند الله ) والله قادر على إنزالها ، ( وما يشعركم ) وما يدريكم .
واختلفوا في المخاطبين بقوله ( وما يشعركم ) فقال بعضهم : الخطاب للمشركين الذين أقسموا .
وقال بعضهم : الخطاب للمؤمنين .
وقوله تعالى : ( أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر عن عاصم " إنها " بكسر الألف على الابتداء ، وقالوا : تم الكلام عند قوله ( وما يشعركم ) فمن جعل الخطاب للمشركين قال : معناه : وما يشعركم أيها [ المشركون ] أنها لو جاءت آمنتم؟ ومن جعل الخطاب للمؤمنين قال معناه : وما يشعركم أيها المؤمنون أنها لو جاءت آمنوا؟ لأن المسلمين كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله حتى يريهم ما اقترحوا حتى يؤمنوا فخاطبهم بقوله : ( وما يشعركم ) ثم ابتدأ فقال جل ذكره : ( أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) وهذا في قوم مخصوصين [ حكم الله عليهم بأنهم لا يؤمنون ] ، وقرأ الآخرون : " أنها " بفتح الألف وجعلوا الخطاب للمؤمنين ، واختلفوا في قوله : ( لا يؤمنون ) فقال الكسائي : ( لا ) صلة ، ومعنى الآية : وما يشعركم أيها المؤمنون أن الآيات إذا جاءت المشركين يؤمنون؟ كقوله تعالى " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " ( الأنبياء ، 95 ) ، أي : يرجعون وقيل : إنها بمعنى لعل ، وكذلك هو في قراءة أبي ، تقول العرب : اذهب إلى السوق أنك تشتري شيئا ، أي : لعلك ، وقال عدي بن زيد :
أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
أي : لعل منيتي ، وقيل : فيه حذف وتقديره : وما يشعركم أنها إذا جاءت [ يؤمنون أو لا يؤمنون؟ وقرأ ابن عامر وحمزة " لا تؤمنون " بالتاء على الخطاب للكفار واعتبروا بقراءة أبي : إذا جاءتكم ] لا تؤمنون ، وقرأ الآخرون بالياء على الخبر ، دليلها قراءة الأعمش : أنها إذا جاءتهم لا يؤمنون .
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)

أي: وأقسم المشركون المكذبون للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. { بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي: قسما اجتهدوا فيه وأكدوه. { لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ } تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم { لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا } وهذا الكلام الذي صدر منهم، لم يكن قصدهم فيه الرشاد، وإنما قصدهم دفع الاعتراض عليهم، ورد ما جاء به الرسول قطعا، فإن الله أيد رسوله صلى الله عليه وسلم، بالآيات البينات، والأدلة الواضحات، التي -عند الالتفات لها- لا تبقي أدنى شبهة ولا إشكال في صحة ما جاء به، فطلبهم -بعد ذلك- للآيات من باب التعنت، الذي لا يلزم إجابته، بل قد يكون المنع من إجابتهم أصلح لهم، فإن الله جرت سنته في عباده، أن المقترحين للآيات على رسلهم، إذا جاءتهم، فلم يؤمنوا بها -أنه يعاجلهم بالعقوبة، ولهذا قال: { قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ } أي: هو الذي يرسلها إذا شاء، ويمنعها إذا شاء، ليس لي من الأمر شيء، فطلبكم مني الآيات ظلم، وطلب لما لا أملك، وإنما توجهون إلي توضيح ما جئتكم به، وتصديقه، وقد حصل، ومع ذلك، فليس معلوما، أنهم إذا جاءتهم الآيات يؤمنون ويصدقون، بل الغالب ممن هذه حاله، أنه لا يؤمن، ولهذا قال: { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ }
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)

يقول تعالى إخبارا عن المشركين : إنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم ، أي : حلفوا أيمانا مؤكدة ( لئن جاءتهم آية ) أي : معجزة وخارق ، ( ليؤمنن بها ) أي : ليصدقنها ، ( قل إنما الآيات عند الله ) أي : قل يا محمد لهؤلاء الذين يسألونك الآيات تعنتا وكفرا وعنادا ، لا على سبيل الهدى والاسترشاد : إنما مرجع هذه الآيات إلى الله ، إن شاء أجابكم ، وإن شاء ترككم ، كما قال ، قال ابن جرير :
حدثنا هناد حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي قال : كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ، فقالوا : يا محمد ، تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى ، وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة ، فأتنا من الآيات حتى نصدقك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أي شيء تحبون أن آتيكم به؟ " قالوا : تجعل لنا الصفا ذهبا . فقال لهم : " فإن فعلت تصدقوني؟ " قالوا : نعم ، والله لئن فعلت لنتبعك أجمعين . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ، فجاءه جبريل ، عليه السلام ، فقال له : لك ما شئت ، إن شئت أصبح الصفا ذهبا ، ولئن أرسل آية فلم يصدقوا عند ذلك ليعذبنهم ، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يتوب تائبهم " فأنزل الله : ( وأقسموا بالله ) إلى قوله تعالى ( يجهلون ) .
وهذا مرسل وله شواهد من وجوه أخر . وقال الله تعالى : ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) [ الإسراء : 59 ] .
وقوله تعالى : ( وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) قيل : المخاطب ب ( وما يشعركم ) المشركون ، وإليه ذهب مجاهد كأنه يقول لهم : وما يدريكم بصدقكم في هذه الأيمان التي تقسمون بها . وعلى هذا فالقراءة : " إنها إذا جاءت لا يؤمنون " بكسر " إنها " على استئناف الخبر عنهم بنفي الإيمان عند مجيء الآيات التي طلبوها ، وقراءة بعضهم : " أنها إذا جاءت لا تؤمنون " بالتاء المثناة من فوق .
وقيل : المخاطب بقوله : ( وما يشعركم ) - المؤمنون ، أي : وما يدريكم أيها المؤمنون ، وعلى هذا فيجوز في ) إنها ) الكسر كالأول والفتح على أنه معمول ( يشعركم ) . وعلى هذا فتكون " لا " في قوله : ( أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) صلة كما في قوله : ( ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) [ الأعراف : 12 ] ، وقوله ( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) [ الأنبياء : 95 ] . أي : ما منعك أن تسجد إذ أمرتك ، وحرام أنهم يرجعون . وتقديره في هذه الآية : وما يدريكم - أيها المؤمنون الذين تودون لهم ذلك حرصا على إيمانهم - أنها إذا جاءتهم الآيات يؤمنون .
وقال بعضهم : " أنها " بمعنى لعلها .
قال ابن جرير : وذكروا أن ذلك كذلك في قراءة أبي بن كعب . قال : وقد ذكر عن العرب سماعا : " اذهب إلى السوق أنك تشتري لي شيئا " بمعنى : لعلك تشتري .
قال : وقد قيل : إن قول عدي بن زيد العبادي من هذا :
أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
وقد اختار هذا القول ابن جرير وذكر عليه شواهد من أشعار العرب والله تعالى أعلم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features