ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)

( ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ) يعني : الملائكة ، وقيل : يعني العباد يردون بالموت إلى الله مولاهم الحق ، فإن قيل الآية في المؤمنين والكفار جميعا وقد قال في آية أخرى : " وأن الكافرين لا مولى لهم " ( محمد ، 11 ) ، فكيف وجه الجمع؟ فقيل : المولى في تلك الآية بمعنى الناصر ولا ناصر للكفار ، والمولى هاهنا بمعنى الملك الذي يتولى أمورهم ، والله عز وجل مالك الكل ومتولي الأمور ، وقيل : أراد هنا المؤمنين خاصة يردون إلى مولاهم ، والكفار فيه تبع ، ( ألا له الحكم ) أي : القضاء دون خلقه ، ( وهو أسرع الحاسبين ) أي : إذا حاسب فحسابه سريع لأنه لا يحتاج إلى فكرة وروية وعقد يد .
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)

{ ثُمَّ } بعد الموت والحياة البرزخية، وما فيها من الخير والشر { رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ } أي: الذي تولاهم بحكمه القدري، فنفذ فيهم ما شاء من أنواع التدبير، ثم تولاهم بأمره ونهيه، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ثم ردوا إليه ليتولى الحكم فيهم بالجزاء، ويثيبهم على ما عملوا من الخيرات، ويعاقبهم على الشرور والسيئات،وَلهذا قال: { أَلَا لَهُ الْحُكْمُ } وحده لا شريك له { وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } لكمال علمه وحفظه لأعمالهم، بما أثبتته في اللوح المحفوظ، ثم أثبته ملائكته في الكتاب، الذي بأيديهم، فإذا كان تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير، وهو القاهر فوق عباده، وقد اعتنى بهم كل الاعتناء، في جميع أحوالهم، وهو الذي له الحكم القدري، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، فأين للمشركين العدولُ عن من هذا وصفه ونعته، إلى عبادة من ليس له من الأمر شيء، ولا عنده مثقال ذرة من النفع، ولا له قدرة وإرادة؟!. أما والله لو علموا حلم الله عليهم، وعفوه ورحمته بهم، وهم يبارزونه بالشرك والكفران، ويتجرءون على عظمته بالإفك والبهتان، وهو يعافيهم ويرزقهم لانجذبت، دواعيهم إلى معرفته، وذهلت عقولهم في حبه. ولمقتوا أنفسهم أشد المقت، حيث انقادوا لداعي الشيطان، الموجب للخزي والخسران، ولكنهم قوم لا يعقلون.
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)

وقوله : ( ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ) قال ابن جرير : ( ثم ردوا ) يعني : الملائكة ( إلى الله مولاهم الحق )
ونذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد [ عن أبي هريرة في ذكر صعود الملائكة بالروح من سماء إلى سماء حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل ] حيث قال : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح قالوا : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها ، فيقال : من هذا؟ فيقال : فلان ، فيقال : مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان . فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل . وإذا كان الرجل السوء ، قالوا : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقال : من هذا؟ فيقال : فلان ، فيقال : لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، ارجعي ذميمة ، فإنه لا يفتح لك أبواب السماء . فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر ، فيجلس الرجل الصالح فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول ، ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول
هذا حديث غريب
ويحتمل أن يكون المراد بقوله : ( ثم ردوا إلى الله ) يعني : الخلائق كلهم إلى الله يوم القيامة ، فيحكم فيهم بعدله ، كما قال [ تعالى ] ( قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ) [ الواقعة : 49 ، 50 ] ، وقال ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) إلى قوله : ( ولا يظلم ربك أحدا ) [ الكهف : 47 - 49 ] ; ولهذا قال : ( مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين )
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)

ثم ردوا إلى الله أي ردهم الله بالبعث للحساب .
مولاهم الحق أي خالقهم ورازقهم وباعثهم ومالكهم . " الحق " بالخفض قراءة الجمهور ، على النعت والصفة لاسم الله تعالى . وقرأ الحسن " الحق " بالنصب على إضمار : أعني ، أو على المصدر ، أي حقا .
ألا له الحكم أي اعلموا وقولوا : له الحكم وحده يوم القيامة ، أي القضاء والفصل .
وهو أسرع الحاسبين أي لا يحتاج إلى فكرة وروية ولا عقد يد . وقد تقدم
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features