وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)

قوله عز وجل : ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم ) قيل : أراد بهم اليهود والنصارى فاكتفى بذكر أحدهما ، والصحيح أن الآية في النصارى خاصة لأنه قد تقدم ذكر اليهود ، وقال الحسن : فيه دليل على أنهم نصارى بتسميتهم لا بتسمية الله تعالى ، أخذنا ميثاقهم في التوحيد والنبوة ، ( فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) بالأهواء المختلفة والجدال في الدين ، قال مجاهد وقتادة : يعني بين اليهود والنصارى ، وقال قوم : هم النصارى وحدهم صاروا فرقا ، منهم اليعقوبية والنسطورية والملكانية ، وكل فرقة تكفر الأخرى ، ( وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) في الآخرة .
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)

أي: وكما أخذنا على اليهود العهد والميثاق، فكذلك أخذنا على { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ْ} لعيسى ابن مريم، وزكوا أنفسهم بالإيمان بالله ورسله وما جاءوا به، فنقضوا العهد، { فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ْ} نسيانا علميا، ونسيانا عمليا. { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ْ} أي: سلطنا بعضهم على بعض، وصار بينهم من الشرور والإحن ما يقتضي بغض بعضهم بعضا ومعاداة بعضهم بعضا إلى يوم القيامة، وهذا أمر مشاهد، فإن النصارى لم يزالوا ولا يزالون في بغض وعداوة وشقاق. { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ْ} فيعاقبهم عليه.
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)

وقوله : ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم ) أي : ومن الذين ادعوا لأنفسهم أنهم نصارى يتابعون المسيح ابن مريم عليه السلام ، وليسوا كذلك ، أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعة الرسول ومناصرته ومؤازرته واقتفاء آثاره ، والإيمان بكل نبي يرسله الله إلى أهل الأرض ، أي : ففعلوا كما فعل اليهود خالفوا المواثيق ونقضوا العهود ; ولهذا قال : ( فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) أي : فألقينا بينهم العداوة والتباغض لبعضهم بعضا ، ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة . وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين ، يكفر بعضهم بعضا ، ويلعن بعضهم بعضا ; فكل فرقة تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها ، فالملكية تكفر اليعقوبية ، وكذلك الآخرون ، وكذلك النسطورية والأريوسية كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
ثم قال تعالى : ( وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) وهذا تهديد ووعيد أكيد للنصارى على ما ارتكبوه من الكذب على الله وعلى رسوله ، وما نسبوه إلى الرب ، عز وجل ، وتعالى وتقدس عن قولهم علوا كبيرا ، من جعلهم له صاحبة وولدا ، تعالى الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد .
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)

قوله تعالى : ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون
قوله تعالى : ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم أي : في التوحيد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ; إذ هو مكتوب في الإنجيل ، فنسوا حظا وهو الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام ; أي : لم يعملوا بما أمروا به ، وجعلوا ذلك الهوى والتحريف سببا للكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم . ومعنى أخذنا ميثاقهم هو كقولك : أخذت من زيد ثوبه ودرهمه ; قاله الأخفش ، ورتبة ( الذين ) أن تكون بعد ( أخذنا ) وقبل ( الميثاق ) ; فيكون التقدير : أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ; لأنه في موضع المفعول الثاني لأخذنا ، وتقديره عند الكوفيين ومن الذين قالوا إنا نصارى من أخذنا ميثاقه ; فالهاء والميم تعودان على " من " المحذوفة ، وعلى القول الأول تعودان على الذين ، ولا يجيز النحويون أخذنا ميثاقهم من الذين قالوا إنا نصارى ، ولا ألينها لبست من الثياب ; لئلا يتقدم مضمر على ظاهر ، وفي قولهم : إنا نصارى ولم يقل من النصارى دليل على أنهم ابتدعوا النصرانية وتسموا بها ; روي معناه عن الحسن .
قوله تعالى : فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء أي : هيجنا ، وقيل : ألصقنا بهم ; مأخوذ من الغراء وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه . يقال : غري بالشيء يغرى غرا " بفتح الغين " مقصورا وغراء " بكسر الغين " ممدودا إذا أولع به كأنه التصق به ، وحكى الرماني : الإغراء تسليط بعضهم على بعض ، وقيل : الإغراء التحريش ، وأصله اللصوق ; يقال : غريت بالرجل غرا - مقصور وممدود مفتوح الأول - إذا لصقت به ، وقال كثير :
إذا قيل مهلا قالت العين بالبكا غراء ومدتها حوافل نهل
وأغريت زيدا بكذا حتى غري به ; ومنه الغراء الذي يغرى به للصوقه ; فالإغراء بالشيء الإلصاق به من جهة التسليط عليه ، وأغريت الكلب أي : أولعته بالصيد . بينهم ظرف للعداوة . والبغضاء البغض . أشار بهذا إلى اليهود والنصارى لتقدم ذكرهما . عن السدي وقتادة : بعضهم لبعض عدو ، وقيل : أشار إلى افتراق النصارى خاصة ; قاله الربيع بن أنس ، لأنهم أقرب مذكور ; وذلك أنهم افترقوا إلى اليعاقبة والنسطورية والملكانية ; أي : كفر بعضهم بعضا . قال النحاس : ومن أحسن ما قيل في معنى فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء أن الله عز وجل أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم ، فكل فرقة مأمورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها لأنهم كفار . وقوله : وسوف ينبئهم الله تهديد لهم ; أي : سيلقون جزاء نقض الميثاق .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features