۞ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)

( ليس عليك هداهم ) قال الكلبي سبب نزول هذه الآية أن ناسا من المسلمين كانت لهم قرابة وأصهار في اليهود وكانوا ينفقون عليهم قبل أن يسلموا فلما أسلموا كرهوا أن ينفقوا عليهم وأرادوهم على أن يسلموا وقال سعيد بن جبير كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة فلما كثر فقراء المسلمين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التصدق على المشركين كي تحملهم الحاجة على الدخول في الإسلام فنزل قوله ( ليس عليك هداهم ) فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها ( ولكن الله يهدي من يشاء ) وأراد به هداية التوفيق أما هدى البيان والدعوة فكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطوهم بعد نزول الآية .
( وما تنفقوا من خير ) أي مال ( فلأنفسكم ) أي تعملونه لأنفسكم ( وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ) وما جحد لفظه نفي ومعناه نهي أي لا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله ( وما تنفقوا من خير ) شرط كالأول ولذلك حذف النون منهما ( يوف إليكم ) أي يوفر لكم جزاؤه ومعناه : يؤدي إليكم ولذلك دخل فيه إلا ( وأنتم لا تظلمون ) لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا وهذا في صدقة التطوع أباح الله تعالى أن توضع في أهل الإسلام وأهل الذمة فأما الصدقة المفروضة فلا يجوز وضعها إلا في المسلمين وهم أهل السهمان المذكورون في سورة التوبة .
۞ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ليس عليك هدى الخلق، وإنما عليك البلاغ المبين، والهداية بيد الله تعالى، ففيها دلالة على أن النفقة كما تكون على المسلم تكون على الكافر ولو لم يهتد، فلهذا قال: { وما تنفقوا من خير } أي: قليل أو كثير على أي شخص كان من مسلم وكافر { فلأنفسكم } أي: نفعه راجع إليكم { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } هذا إخبار عن نفقات المؤمنين الصادرة عن إيمانهم أنها لا تكون إلا لوجه الله تعالى، لأن إيمانهم يمنعهم عن المقاصد الردية ويوجب لهم الإخلاص { وما تنفقوا من خير يوف إليكم } يوم القيامة تستوفون أجوركم { وأنتم لا تظلمون } أي: تنقصون من أعمالكم شيئا ولا مثقال ذرة، كما لا يزاد في سيئاتكم.
۞ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)

قال أبو عبد الرحمن النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ، أخبرنا الفريابي ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فسألوا ، فرخص لهم ، فنزلت هذه الآية : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) .
وكذا رواه أبو حذيفة ، وابن المبارك ، وأبو أحمد الزبيري ، وأبو داود الحفري ، عن سفيان وهو الثوري به .
وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثني أحمد بن عبد الرحمن يعني الدشتكي حدثني أبي ، عن أبيه ، حدثنا أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يأمر بألا يتصدق إلا على أهل الإسلام ، حتى نزلت هذه الآية : ( ليس عليك هداهم ) إلى آخرها ، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين . وسيأتي عند قوله تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ) الآية [ الممتحنة : 8 ] حديث أسماء بنت الصديق في ذلك [ إن شاء الله تعالى ] .
وقوله : ( وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ) كقوله ( من عمل صالحا فلنفسه ) [ فصلت : 46 ، الجاثية : 15 ] ونظائرها في القرآن كثيرة .
وقوله : ( وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ) قال الحسن البصري : نفقة المؤمن لنفسه ، ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله .
وقال عطاء الخراساني : يعني إذا أعطيت لوجه الله ، فلا عليك ما كان عمله ، وهذا معنى حسن ، وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجره على الله ، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب : ألبر أو فاجر أو مستحق أو غيره ، هو مثاب على قصده ، ومستند هذا تمام الآية : ( وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) والحديث المخرج في الصحيحين ، من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال رجل : لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية ، فأصبح الناس يتحدثون : تصدق على زانية ! فقال : اللهم لك الحمد على زانية ، لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق الليلة على غني ! فقال : اللهم لك الحمد على غني ، لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق الليلة على سارق ! فقال : اللهم لك الحمد على زانية ، وعلى غني ، وعلى سارق ، فأتي فقيل له : أما صدقتك فقد قبلت ; وأما الزانية فلعلها أن تستعف بها عن زناها ، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ، ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته " .
۞ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)

قوله تعالى : ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون
قوله تعالى : ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ليس عليك هداهم هذا الكلام متصل بذكر الصدقات ، فكأنه بين فيه جواز الصدقة على المشركين . روى سعيد بن جبير مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم في سبب نزول هذه الآية أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة ، فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم . فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإسلام . وذكر النقاش أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصدقات فجاءه يهودي فقال : أعطني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس لك من صدقة المسلمين شيء . فذهب اليهودي غير بعيد فنزلت : ليس عليك هداهم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ، ثم نسخ الله ذلك بآية الصدقات . وروى ابن عباس أنه قال : كان ناس من الأنصار لهم قرابات من بني قريظة والنضير ، وكانوا لا يتصدقون عليهم رغبة منهم في أن يسلموا إذا احتاجوا ، فنزلت الآية بسبب أولئك . وحكى بعض المفسرين أن أسماء ابنة أبي بكر الصديق أرادت أن تصل جدها أبا قحافة ثم امتنعت من ذلك لكونه كافرا فنزلت الآية في ذلك . وحكى الطبري أن مقصد النبي صلى الله عليه وسلم بمنع الصدقة إنما كان ليسلموا ويدخلوا في الدين ، فقال الله تعالى : ليس عليك هداهم . وقيل : " ليس عليك هداهم " ليس متصلا بما قبل ، فيكون ظاهرا في الصدقات وصرفها إلى الكفار ، بل يحتمل أن يكون معناه ابتداء كلام .
الثانية : قال علماؤنا : هذه الصدقة التي أبيحت لهم حسب ما تضمنته هذه الآثار هي صدقة التطوع . وأما المفروضة فلا يجزئ دفعها لكافر ، لقوله عليه السلام : أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم . قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه ، من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا ، ثم ذكر جماعة ممن نص على ذلك ولم يذكر خلافا . وقال المهدوي : رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم من صدقة الفريضة لهذه الآية . قال ابن عطية : وهذا مردود بالإجماع . والله أعلم . وقال أبو حنيفة : تصرف إليهم زكاة الفطر . ابن العربي : وهذا ضعيف لا أصل له . ودليلنا أنها صدقة طهرة واجبة فلا تصرف إلى الكافر كصدقة الماشية والعين ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : أغنوهم عن سؤال هذا اليوم يعني يوم الفطر .
قلت : وذلك لتشاغلهم بالعيد وصلاة العيد وهذا لا يتحقق في المشركين . وقد يجوز صرفها إلى غير المسلم في قول من جعلها سنة ، وهو أحد القولين عندنا ، وهو قول أبي حنيفة على ما ذكرنا ، نظرا إلى عموم الآية في البر وإطعام الطعام وإطلاق الصدقات . قال ابن عطية : وهذا الحكم متصور للمسلمين مع أهل ذمتهم ومع المسترقين من الحربيين .
قلت : وفي التنزيل ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركا . وقال تعالى : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم . فظواهر هذه الآيات تقتضي جواز صرف الصدقات إليهم جملة ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم خص منها الزكاة المفروضة ، لقوله عليه السلام لمعاذ : خذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم واتفق العلماء على ذلك على ما تقدم . فيدفع إليهم من صدقة التطوع إذا احتاجوا ، والله أعلم . قال ابن العربي : فأما المسلم العاصي فلا خلاف أن صدقة الفطر تصرف إليه إلا إذا كان يترك أركان الإسلام من الصلاة والصيام فلا تدفع إليه الصدقة حتى يتوب . وسائر أهل المعاصي تصرف الصدقة إلى مرتكبيها لدخولهم في اسم المسلمين . وفي صحيح مسلم أن رجلا تصدق على غني وسارق وزانية وتقبلت صدقته ، على ما يأتي بيانه في آية " الصدقات " .
الثالثة : قوله تعالى : ولكن الله يهدي من يشاء أي يرشد من يشاء . وفي هذا رد على القدرية وطوائف من المعتزلة ، كما تقدم .
قوله تعالى : وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله شرط وجوابه . والخير في هذه الآية المال ؛ لأنه قد اقترن بذكر الإنفاق فهذه القرينة تدل على أنه المال ، ومتى لم تقترن بما يدل على أنه المال فلا يلزم أن يكون بمعنى المال ، نحو قوله تعالى : خير مستقرا ، وقوله مثقال ذرة خيرا يره . إلى غير ذلك . وهذا تحرز من قول عكرمة : كل خير في كتاب الله تعالى فهو المال . وحكي أن بعض العلماء كان يصنع كثيرا من المعروف ثم يحلف أنه ما فعل مع أحد خيرا ، فقيل له في ذلك فيقول : إنما فعلت مع نفسي ، ويتلو وما تنفقوا من خير فلأنفسكم . ثم بين تعالى أن النفقة المعتد بقبولها إنما هي ما كان ابتغاء وجهه . و ( ابتغاء ) هو على المفعول له . وقيل : إنه شهادة من الله تعالى للصحابة رضي الله عنهم أنهم إنما ينفقون ابتغاء وجهه ، فهذا خرج مخرج التفضيل والثناء عليهم . وعلى التأويل الأول هو اشتراط عليهم ، ويتناول الاشتراط غيرهم من الأمة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص : إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك .
قوله تعالى : وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون يوف إليكم تأكيد وبيان لقوله : وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وأن ثواب الإنفاق يوفى إلى المنفقين ولا يبخسون منه شيئا فيكون ذلك البخس ظلما لهم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features