قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)

{قل} يا محمد لليهود والنصارى.
{أتحاجوننا في الله} أي في دين الله، والمحاجة: المجادلة في الله لإظهار الحجة، وذلك بأنهم قالوا إن الأنبياء كانوا منا وعلى ديننا، وديننا أقوم فنحن أولى بالله منكم فقال الله تعالى: {قل أتحاجوننا في الله}.
{وهو ربنا وربكم} أي نحن وأنتم سواء في الله فإنه ربنا وربكم.
{ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} أي لكل واحد جزاء عمله، فكيف تدعون أنكم أولى بالله.
{ونحن له مخلصون} وأنتم به مشركون. قال سعيد بن جبير : "الإخلاص أن يخلص العبد دينه وعمله لله فلا يشرك به في دينه ولا يرائي بعمله"، قال الفضيل: "ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، و الإخلاص أن يعافيك الله منهما".
قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)

المحاجة هي: المجادلة بين اثنين فأكثر, تتعلق بالمسائل الخلافية, حتى يكون كل من الخصمين يريد نصرة قوله, وإبطال قول خصمه، فكل واحد منهما, يجتهد في إقامة الحجة على ذلك، والمطلوب منها, أن تكون بالتي هي أحسن, بأقرب طريق يرد الضال إلى الحق, ويقيم الحجة على المعاند, ويوضح الحق, ويبين الباطل، فإن خرجت عن هذه الأمور, كانت مماراة, ومخاصمة لا خير فيها, وأحدثت من الشر ما أحدثت، فكان أهل الكتاب, يزعمون أنهم أولى بالله من المسلمين, وهذا مجرد دعوى, تفتقر إلى برهان ودليل. فإذا كان رب الجميع واحدا, ليس ربا لكم دوننا, وكل منا ومنكم له عمله, فاستوينا نحن وإياكم بذلك. فهذا لا يوجب أن يكون أحد الفريقين أولى بالله من غيره؛ لأن التفريق مع الاشتراك في الشيء, من غير فرق مؤثر, دعوى باطلة, وتفريق بين متماثلين, ومكابرة ظاهرة. وإنما يحصل التفضيل, بإخلاص الأعمال الصالحة لله وحده، وهذه الحالة, وصف المؤمنين وحدهم, فتعين أنهم أولى بالله من غيرهم؛ لأن الإخلاص, هو الطريق إلى الخلاص، فهذا هو الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان, بالأوصاف الحقيقية التي يسلمها أهل العقول, ولا ينازع فيها إلا كل مكابر جهول، ففي هذه الآية, إرشاد لطيف لطريق المحاجة, وأن الأمور مبنية على الجمع بين المتماثلين, والفرق بين المختلفين.
قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)

يقول الله تعالى مرشدا نبيه صلوات الله وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين : ( قل أتحاجوننا في الله ) أي : أتناظروننا في توحيد الله والإخلاص له والانقياد ، واتباع أوامره وترك زواجره ( وهو ربنا وربكم ) المتصرف فينا وفيكم ، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له ! ( ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) أي : نحن برآء منكم ، وأنتم برآء منا ، كما قال في الآية الأخرى : ( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) [ يونس : 41 ] وقال تعالى : ( فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ) [ آل عمران : 20 ] وقال تعالى إخبارا عن إبراهيم ( وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون ) [ الأنعام : 80 ] وقال ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) الآية [ البقرة : 258 ] .
وقال في هذه الآية الكريمة : ( [ ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ] ونحن له مخلصون ) أي : نحن برآء منكم كما أنتم برآء منا ، ونحن له مخلصون ، أي في العبادة والتوجه .
قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)

قوله تعالى : قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون
قال الحسن : كانت المحاجة أن قالوا : نحن أولى بالله منكم ; لأنا أبناء الله وأحباؤه . وقيل : لتقدم آبائنا وكتبنا ; ولأنا لم نعبد الأوثان . فمعنى الآية : قل لهم يا محمد ، أي قل لهؤلاء اليهود والنصارى الذين زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه وادعوا أنهم أولى بالله منكم لقدم آبائهم وكتبهم : أتحاجوننا أي أتجاذبوننا الحجة على دعواكم والرب واحد ، وكل مجازى بعمله ، فأي تأثير لقدم الدين . ومعنى في الله أي في دينه والقرب منه والحظوة له . وقراءة الجماعة : أتحاجوننا . وجاز اجتماع حرفين مثلين من جنس واحد متحركين ; لأن الثاني كالمنفصل . وقرأ ابن محيصن " أتحاجونا " بالإدغام لاجتماع المثلين . قال النحاس : وهذا جائز إلا أنه مخالف للسواد . ويجوز " أتحاجون " بحذف النون الثانية ، كما قرأ نافع فبم تبشرون
قوله تعالى : ونحن له مخلصون أي مخلصون العبادة ، وفيه معنى التوبيخ ، أي ولم تخلصوا أنتم فكيف تدعون ما نحن أولى به منكم ، والإخلاص حقيقته تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين ، قال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يقول أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم لله تعالى فإن الله تعالى لا يقبل إلا ما خلص له ولا تقولوا هذا لله وللرحم فإنها للرحم وليس لله منها شيء ولا تقولوا هذا لله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس لله تعالى منها شيء . رواه الضحاك بن قيس الفهري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكره ، خرجه الدارقطني . وقال رويم : الإخلاص من العمل هو ألا يريد صاحبه عليه عوضا في الدارين ولا حظا من الملكين . وقال الجنيد : الإخلاص سر بين العبد وبين الله ، لا يعلمه ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده ، ولا هوى فيميله . وذكر أبو القاسم القشيري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سألت جبريل عن الإخلاص ما هو فقال : سألت رب العزة عن الإخلاص ما هو قال سر من سري استودعته قلب من أحببته من عبادي .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features