كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)

( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) قال عكرمة ومقاتل : نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم ، وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهودا اليهوديين قالا لهم : نحن أفضل منكم وديننا خير مما تدعوننا إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وقال جويبر عن الضحاك : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة الرواة والدعاة الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم .
وروي عن عمر بن الخطاب قال : كنتم خير أمة أخرجت للناس تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنا أبو القاسم البغوي ، أنا علي بن الجعد ، أخبرنا شعبة عن أبي حمزة : سمعت زهدم بن مضرب عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " . قال عمران : لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرتين أو ثلاثا وقال : إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن " .
وبهذا الإسناد عن علي بن الجعد أخبرنا شعبة وأبو معاوية عن الأعمش عن ذكوان عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " .
وقال الآخرون : هم جميع المؤمنين من هذه الأمة .
وقوله ( كنتم ) أي : أنتم كقوله تعالى : " واذكروا إذ كنتم قليلا " ( الأعراف - 86 ) وقال في موضع آخر : " واذكروا إذ أنتم قليل " ( الأنفال - 26 ) وقيل : معناه كنتم خير أمة عند الله في اللوح المحفوظ وقال قوم : قوله ( للناس ) " من " صلة قوله " خير أمة " أي : أنتم خير الناس للناس .
قال أبو هريرة معناه : كنتم خير الناس تجيئون بهم في السلاسل فتدخلونهم في الإسلام .
قال قتادة : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم يؤمر نبي قبله بالقتال فهم يقاتلون الكفار فيدخلونهم في دينهم فهم خير أمة للناس .
وقيل " للناس " صلة قوله " أخرجت " معناه : ما أخرج الله للناس أمة خيرا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الحافظ ، أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن حبيش المقري ، أنا علي بن زنجويه ، أخبرنا سلمة بن شبيب أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) قال : " إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو معشر إبراهيم بن محمد الفيركي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى ، أخبرنا أبو الصلت ، أخبرنا حماد بن زيد ، أخبرنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي أخيرها وأكرمها على الله عز وجل " .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد ، أنا الفضل بن الفضل أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب ، قال عبد الرحمن يعني ابن المبارك أخبرنا حماد بن يحيى الأبح أنا ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره " .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو محمد المخلدي ، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي ، أخبرنا محمد بن عيسى التنيسي ، أخبرنا عمرو بن أبي سلمة ، أخبرنا صدقة بن عبد الله ، عن زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها ، وحرمت على الأمم كلهم حتى تدخلها أمتي " .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، قال : أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو عبد الله الحسين بن محمد ، أخبرنا أبو القاسم عمر بن محمد بن عبد الله بن حاتم الترمذي ، أخبرنا جدي لأمي محمد بن عبد الله بن مرزوق ، أنا عفان بن مسلم ، أنا عبد العزيز بن مسلم ، أخبرنا أبو سنان يعني ضرار بن مرة ، عن محارب بن دثار ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون من هذه الأمة " .
قوله تعالى : ( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ) أي : الكافرون .
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)

قوله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون
قوله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس فيه ثلاث مسائل :
الأولى : روى الترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في قوله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس قال : أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها عند الله . وقال : هذا حديث حسن . وقال أبو هريرة : نحن خير الناس للناس نسوقهم بالسلاسل إلى الإسلام . وقال ابن عباس : هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدرا والحديبية . وقال عمر بن الخطاب : من فعل فعلهم كان مثلهم . وقيل : هم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - يعني الصالحين منهم وأهل الفضل . وهم الشهداء على الناس يوم القيامة ; كما تقدم في البقرة . وقال مجاهد : كنتم خير أمة أخرجت للناس على الشرائط المذكورة في الآية . وقيل : معناه كنتم في اللوح المحفوظ . وقيل : كنتم مذ آمنتم خير أمة . وقيل : جاء ذلك لتقدم البشارة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته . فالمعنى كنتم عند من تقدمكم من أهل الكتب خير أمة . وقال الأخفش : يريد أهل أمة ، أي خير أهل دين ; وأنشد :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
وقيل : هي كان التامة ، والمعنى خلقتم ووجدتم خير أمة . " فخير أمة " حال . وقيل : كان زائدة ، والمعنى أنتم خير أمة . وأنشد سيبويه :
وجيران لنا كانوا كراما
ومثله قوله تعالى : كيف نكلم من كان في المهد صبيا . وقوله : واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم . وقال في موضع آخر : واذكروا إذ أنتم قليل . وروى سفيان عن ميسرة الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة كنتم خير أمة أخرجت للناس قال : تجرون الناس بالسلاسل إلى الإسلام . قال النحاس : والتقدير على هذا كنتم للناس خير أمة . وعلى قول مجاهد : كنتم خير أمة إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر . وقيل : إنما صارت أمة محمد - - صلى الله عليه وسلم - خير أمة لأن المسلمين منهم أكثر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى . فقيل : هذا لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال - صلى الله عليه وسلم - : خير الناس قرني أي الذين بعثت فيهم .
الثانية : وإذا ثبت بنص التنزيل أن هذه الأمة خير الأمم ; فقد روى الأئمة من حديث عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم . الحديث وهذا يدل على أن أول هذه الأمة أفضل ممن بعدهم ، وإلى هذا ذهب معظم العلماء ، وإن من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورآه ولو مرة في عمره أفضل ممن يأتي بعده ، وإن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل . وذهب أبو عمر بن عبد البر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة ، وإن قوله عليه السلام : ( خير الناس قرني ) ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول . وقد جمع قرنه جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود ، وقال لهم : ما تقولون في السارق والشارب والزاني . وقال مواجهة لمن هو في قرنه : لا تسبوا أصحابي . وقال لخالد بن الوليد في عمار : لا تسب من هو خير منك وروى أبو أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي . وفي مسند أبي داود الطيالسي عن محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر . قال : كنت جالسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا ) قلنا الملائكة . قال : ( وحق لهم بل غيرهم ) قلنا الأنبياء . قال : ( وحق لهم بل غيرهم ) ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني يجدون ورقا فيعملون بما فيها فهم أفضل الخلق إيمانا ) . وروى صالح بن جبير عن أبي جمعة قال : قلنا يا رسول الله ، هل أحد خير منا ؟ قال : ( نعم قوم يجيئون من بعدكم فيجدون كتابا بين لوحين فيؤمنون بما فيه ويؤمنون بي ولم يروني ) . وقال أبو عمر : وأبو جمعة له صحبة واسمه حبيب بن سباع ، وصالح بن جبير من ثقات التابعين . وروى أبو ثعلبة الخشني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن أمامكم أياما الصابر فيها على دينه كالقابض على الجمر ، للعامل فيها أجر خمسين رجلا يعمل مثل عمله قيل : يا رسول الله ، منهم ؟ قال : ( بل منكم ) . قال أبو عمر : وهذه اللفظة " بل منكم " قد سكت عنها بعض المحدثين فلم يذكرها . وقال عمر بن الخطاب في تأويل قوله : كنتم خير أمة أخرجت للناس قال : من فعل مثل فعلكم كان مثلكم . ولا تعارض بين الأحاديث ; لأن الأول على الخصوص ، والله الموفق .
وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب : إن قرنه إنما فضل لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم ، وإن أواخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي والكبائر كانوا عند ذلك أيضا غرباء ، وزكت أعمالهم في ذلك الوقت كما زكت أعمال أوائلهم ، ومما يشهد لهذا قوله عليه السلام : بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء . ويشهد له أيضا حديث أبي ثعلبة ، ويشهد له أيضا قوله - صلى الله عليه وسلم - : أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره . ذكره أبو داود الطيالسي وأبو عيسى الترمذي ، ورواه هشام بن عبيد الله الرازي عن مالك عن الزهري عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره . ذكره الدارقطني في مسند حديث مالك . قال أبو عمر : هشام بن عبيد الله ثقة لا يختلفون في ذلك . وروي أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله أن اكتب إلي بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها ; فكتب إليه سالم : إن عملت بسيرة عمر ; فأنت أفضل من عمر لأن زمانك ليس كزمان عمر ، ولا رجالك كرجال عمر . قال : وكتب إلى فقهاء زمانه ، فكلهم كتب إليه بمثل قول سالم . وقد عارض بعض الجلة من العلماء قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( خير الناس قرني ) بقوله - صلى الله عليه وسلم - : خير الناس من طال عمره وحسن عمله ، وشر الناس من طال عمره وساء عمله . قال أبو عمر : فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها . والمعنى في ذلك ما تقدم ذكره من الإيمان والعمل الصالح في الزمان الفاسد الذي يرفع فيه من أهل العلم والدين ، ويكثر فيه الفسق والهرج ، ويذل المؤمن ويعز الفاجر ويعود الدين غريبا كما بدأ غريبا ، ويكون القائم فيه كالقابض على الجمر ، فيستوي حينئذ أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية ، ومن تدبر آثار هذا الباب بان له الصواب ، والله يؤتي فضله من يشاء .
الثالثة : قوله تعالى : تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به . فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم ، وكان ذلك سببا لهلاكهم . وقد تقدم الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أول السورة .
قوله تعالى : ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم أخبر أن إيمان أهل الكتاب بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خير لهم ، وأخبر أن منهم مؤمنا وفاسقا ، وأن الفاسق أكثر .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features