قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)

( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ) إن عبدناه ، ( ولا يضرنا ) إن تركناه ، يعني : الأصنام ليس إليها نفع ولا ضر ، ( ونرد على أعقابنا ) إلى الشرك [ مرتدين ] ( بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض ) ، أي : يكون مثلنا كمثل الذي استهوته الشياطين ، أي : أضلته ، ( حيران ) قال ابن عباس : كالذي استهوته الغيلان في المهامة فأضلوه فهو حائر بائر ، والحيران : المتردد في الأمر ، لا يهتدي إلى مخرج منه ، ( له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا ) هذا مثل ضربه الله تعالى لمن يدعو إلى الآلهة ولمن يدعو إلى الله تعالى ، كمثل رجل في رفقة ضل به الغول عن الطريق يدعوه أصحابه من أهل الرفقة هلم إلى الطريق ، ويدعوه الغول [ هلم ] فيبقى حيران لا يدري أين يذهب ، فإن أجاب الغول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة ، وإن أجاب من يدعوه إلى الطريق اهتدى .
( قل إن هدى الله هو الهدى ) يزجر عن عبادة الأصنام ، كأنه يقول : لا تفعل ذلك فإن الهدى هدى الله ، لا هدى غيره ، ( وأمرنا لنسلم ) أي : أن نسلم ، ( لرب العالمين ) والعرب تقول : أمرتك لتفعل وأن تفعل وبأن تفعل .
قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)

قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين
قوله تعالى : قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا أي ما لا ينفعنا إن دعوناه .
ولا يضرنا إن تركناه ; يريد الأصنام .
ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله أي نرجع إلى الضلالة بعد الهدى . وواحد الأعقاب عقب وهو مؤنث ، وتصغيره عقيبة . يقال : رجع فلان على عقبيه ، إذا أدبر . قال أبو عبيدة : يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها : قد رد على عقبيه . وقال المبرد : معناه تعقب بالشر بعد الخير . وأصله من العاقبة والعقبى وهما ما كان تاليا للشيء واجبا أن يتبعه ; ومنه والعاقبة للمتقين ومنه عقب الرجل . ومنه العقوبة ، لأنها تالية للذنب ، وعنه تكون .
قوله تعالى : " كالذي " الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف .
استهوته الشياطين في الأرض حيران أي استغوته وزينت له هواه ودعته إليه . يقال : هوى يهوي إلى الشيء أسرع إليه . وقال الزجاج : هو من هوى يهوى ، من هوى النفس ; أي زين له الشيطان هواه . وقراءة الجماعة استهوته أي هوت به ، على تأنيث الجماعة . وقرأ حمزة " استهواه الشياطين " على تذكير الجمع . وروي عن ابن مسعود " استهواه الشيطان " وروي عن الحسن ، وهو كذلك في حرف أبي . ومعنى ائتنا تابعنا . وفي قراءة عبد الله أيضا " يدعونه إلى الهدى بينا " . وعن الحسن أيضا " استهوته الشياطون " . حيران نصب على الحال ، ولم ينصرف لأن أنثاه حيرى كسكران وسكرى وغضبان وغضبى . والحيران هو الذي لا يهتدي لجهة أمره . وقد حار يحار حيرا وحيرة وحيرورة ، أي تردد . وبه سمي الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائرا ، والجمع حوران . والحائر الموضع الذي يتحير فيه الماء . قال الشاعر : تخطو على برديتين غذاهما غدق بساحة حائر يعبوب قال ابن عباس : أي مثل عابد الصنم مثل من دعاه الغول فيتبعه فيصبح وقد ألقته في مضلة ومهلكة ; فهو حائر في تلك المهامه . وقال في رواية أبي صالح : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، كان يدعو أباه إلى الكفر وأبواه يدعوانه إلى الإسلام . والمسلمون له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى فيأبى . قال أبو عمر : أمه أم رومان بنت الحارث بن غنم الكنانية ; فهو شقيق عائشة . وشهد عبد الرحمن بن أبي بكر بدرا وأحدا مع قومه وهو كافر ، ودعا إلى البراز فقام إليه أبوه ليبارزه فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له متعني بنفسك . ثم أسلم وحسن إسلامه ، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية . هذا قول أهل السير . قالوا : كان اسمه عبد الكعبة فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الرحمن ، وكان أسن ولد أبي بكر . ويقال : إنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم أربعة ولاء - أب وبنوه - إلا أبا قحافة وابنه أبا بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابنه أبا عتيق محمد بن عبد الرحمن . والله أعلم .
قوله تعالى وأمرنا لنسلم لرب العالمين .
قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)

{ قُلْ } يا أيها الرسول للمشركين بالله، الداعين معه غيره، الذين يدعونكم إلى دينهم، مبينا وشارحا لوصف آلهتهم، التي يكتفي العاقل بذكر وصفها، عن النهي عنها، فإن كل عاقل إذا تصور مذهب المشركين جزم ببطلانه، قبل أن تقام البراهين على ذلك، فقال: { أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا } وهذا وصف، يدخل فيه كل مَن عُبِد مِنْ دون الله، فإنه لا ينفع ولا يضر، وليس له من الأمر شيء، إن الأمر إلا لله. { وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ } أي: وننقلب بعد هداية الله لنا إلى الضلال، ومن الرشد إلى الغي، ومن الصراط الموصل إلى جنات النعيم، إلى الطرق التي تفضي بسالكها إلى العذاب الأليم. فهذه حال لا يرتضيها ذو رشد، وصاحبها { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ } أي: أضلته وتيهته عن طريقه ومنهجه له الموصل إلى مقصده. فبقي { حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى } والشياطين يدعونه إلى الردى، فبقي بين الداعيين حائرا وهذه حال الناس كلهم، إلا من عصمه الله تعالى، فإنهم يجدون فيهم جواذب ودواعي متعارضة، دواعي الرسالة والعقل الصحيح، والفطرة المستقيمة { يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى } والصعود إلى أعلى عليين. ودواعي الشيطان، ومن سلك مسلكه، والنفس الأمارة بالسوء، يدعونه إلى الضلال، والنزول إلى أسفل سافلين، فمن الناس من يكون مع داعي الهدى، في أموره كلها أو أغلبها، ومنهم من بالعكس من ذلك. ومنهم من يتساوى لديه الداعيان، ويتعارض عنده الجاذبان، وفي هذا الموضع، تعرف أهل السعادة من أهل الشقاوة. وقوله: { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى } أي: ليس الهدى إلا الطريق التي شرعها الله على لسان رسوله، وما عداه، فهو ضلال وردى وهلاك. { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } بأن ننقاد لتوحيده، ونستسلم لأوامره ونواهيه، وندخل تحت عبوديته، فإن هذا أفضل نعمة أنعم الله بها على العباد، وأكمل تربية أوصلها إليهم.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features