وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99)

( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ) قال مجاهد : هم بنو مقرن من مزينة . وقال الكلبي : أسلم وغفار وجهينة . أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنبأنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أنبأنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، أنبأنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسلم وغفار وشيء من جهينة ومزينة خير عند الله يوم القيامة من تميم وأسد بن خزيمة وهوازن وغطفان " .
( ويتخذ ما ينفق قربات عند الله ) القربات جمع القربة ، أي : يطلب القربة إلى الله تعالى ، ( وصلوات الرسول ) أي : دعاءه واستغفاره ، قال عطاء : يرغبون في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم . ( ألا إنها قربة لهم ) قرأ نافع برواية ورش " قربة " بضم الراء ، والباقون بسكونها . ( سيدخلهم الله في رحمته ) في جنته ، ( إن الله غفور رحيم ) .
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99)

قوله تعالى ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم
ومن الأعراب من يؤمن بالله أي صدق . والمراد بنو مقرن من مزينة ; ذكره المهدوي .
( قربات ) جمع قربة ، وهي ما يتقرب به إلى الله تعالى ; والجمع قرب وقربات وقربات وقربات ; حكاه النحاس . والقربات بالضم ما تقرب به إلى الله تعالى ; تقول منه : قربت لله قربانا . والقربة بكسر القاف ما يستقى فيه الماء ; والجمع في أدنى العدد قربات وقربات وقربات ، وللكثير قرب . وكذلك جمع كل ما كان على فعلة ; مثل سدرة وفقرة ، لك أن تفتح العين وتكسر وتسكن ; حكاه الجوهري . وقرأ نافع في رواية ورش " قربة " بضم الراء وهي الأصل . والباقون بسكونها تخفيفا ; مثل كتب ورسل ، ولا خلاف في قربات . وحكى ابن سعدان أن يزيد بن القعقاع قرأ ألا إنها قربة لهم . ومعنى وصلوات الرسول استغفاره ودعاؤه . والصلاة تقع على ضروب ; فالصلاة من الله جل وعز الرحمة والخير والبركة ; قال الله تعالى : هو الذي يصلي عليكم وملائكته والصلاة من الملائكة الدعاء ، وكذلك هي من النبي صلى الله عليه وسلم ; كما قال : وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم أي دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة .
ألا إنها قربة لهم أي تقربهم من رحمة الله ، يعني نفقاتهم .
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99)

وليس الأعراب كلهم مذمومين، بل منهم ‏{‏مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏}‏ فيسلم بذلك من الكفر والنفاق ويعمل بمقتضى الإيمان‏.‏
{‏وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ يحتسب نفقته، ويقصد بها وجه اللّه تعالى والقرب منه و يجعلها وسيلة ل ـ ‏{‏صَلَوَاتِ الرَّسُولِ‏}‏ أي‏:‏ دعائه لهم، وتبريكه عليهم، قال تعالى مبينا لنفع صلوات الرسول‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ‏}‏ تقربهم إلى اللّه، وتنمي أموالهم وتحل فيها البركة‏.‏
{‏سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ‏}‏ في جملة عباده الصالحين إنه غفور رحيم، فيغفر السيئات العظيمة لمن تاب إليه، ويعم عباده برحمته، التي وسعت كل شيء، ويخص عباده المؤمنين برحمة يوفقهم فيها إلى الخيرات، ويحميهم فيها من المخالفات، ويجزل لهم فيها أنواع المثوبات‏.‏
وفي هذه الآية دليل على أن الأعراب كأهل الحاضرة، منهم الممدوح ومنهم المذموم، فلم يذمهم اللّه على مجرد تعربهم وباديتهم، إنما ذمهم على ترك أوامر اللّه، وأنهم في مظنة ذلك‏.‏
ومنها‏:‏ أن الكفر والنفاق يزيد وينقص ويغلظ ويخف بحسب الأحوال‏.‏
ومنها‏:‏ فضيلة العلم، وأن فاقده أقرب إلى الشر ممن يعرفه، لأن اللّه ذم الأعراب، وأخبر أنهم أشد كفرا ونفاقا، وذكر السبب الموجب لذلك، وأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله‏.‏
ومنها‏:‏ أن العلم النافع الذي هو أنفع العلوم، معرفة حدود ما أنزل اللّه على رسوله، من أصول الدين وفروعه، كمعرفة حدود الإيمان، والإسلام، والإحسان، والتقوى، والفلاح، والطاعة، والبر، والصلة، والإحسان، والكفر، والنفاق، والفسوق، والعصيان، والزنا، والخمر، والربا، ونحو ذلك‏.‏ فإن في معرفتها يتمكن من فعلها ـ إن كانت مأمور بها، أو تركها إن كانت محظورة ـ ومن الأمر بها أو النهي عنها‏.‏
ومنها‏:‏ أنه ينبغي للمؤمن أن يؤدي ما عليه من الحقوق، منشرح الصدر، مطمئن النفس، ويحرص أن تكون مغنما، ولا تكون مغرمًا‏.‏
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99)

القول في تأويل قوله : وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن الأعراب من يصدِّق الله ويقرّ بوحدانيته، وبالبعث بعد الموت، والثواب والعقاب, وينوي بما ينفق من نفقة في جهاد المشركين، (30) وفي سفره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قربات عند الله)، و " القربات " جمع " قربة ", وهو ما قرَّبه من رضى الله ومحبته =(وصلوات الرسول)، يعني بذلك: ويبتغي بنفقة ما ينفق، مع طلب قربته من الله، دعاءَ الرسول واستغفارَه له.
وقد دللنا، فيما مضى من كتابنا، على أن من معاني " الصلاة "، الدعاء، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (31)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17095- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله (وصلوات الرسول)، يعني: استغفار النبيّ عليه الصلاة والسلام.
17096- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول)، قال: دعاء الرسول: قال: هذه ثَنِيَّةُ الله من الأعراب. (32)
17097- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر)، قال: هم بنو مقرِّن، من مزينة, وهم الذين قال الله فيهم: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا ، [سورة التوبة: 92]. قال: هم بنو مقرّن، من مزينة = قال: حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا ، ثم استثنى فقال: (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر)، الآية.
17098- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا جعفر, عن البختريّ بن المختار العبدي قال، سمعت عبد الرحمن بن معْقل قال: كنا عشرة ولد مقرّن, فنـزلت فينا: (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر)، إلى آخر الآية. (33)
* * *
قال أبو جعفر: قال الله: (ألا إنها قُرْبة لهم)، يقول تعالى ذكره: ألا إنّ صلوات الرسول قربة لهم من الله.
وقد يحتمل أن يكون معناه: ألا إنّ نفقته التي ينفقها كذلك، قربةٌ لهم عند الله =(سيدخلهم الله في رحمته)، يقول: سيدخلهم الله فيمن رحمه فأدخله برحمته الجنة =(إن الله غفورٌ)، لما اجترموا =(رحيم)، بهم مع توبتهم وإصلاحهم أن يعذبهم. (34)
------------------------
الهوامش:
(30) في المطبوعة: "ينوي بما ينفق"، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب .
(31) انظر تفسير " الصلاة " فيما سلف من فهارس اللغة ( صلا ) .
(32) " الثنية " ، ما استثنى من شيء ، وفي حديث كعب الأحبار : " الشهداء ثنية الله في الأرض " ، يعني هم من الذين استثناهم الله من الصعقة الأولى ، تأول ذلك في قوله تعالى : (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) ، فجعل منهم الشهداء ، لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون .
(33) الأثر : 17098 - " البختري بن المختار العبدي " ، ثقة . مترجم في الكبير 1 2 136 وابن أبي حاتم 1 1 427 .
و " عبد الرحمن بن معقل المزني " ، تابعي ثقة ، وعده بعضهم في الصحابة لهذا الحديث .
فقال الحافظ بن حجر : " إنما عنى بقوله : كنا = أباه وأعمامه ، وأما هو فيصغر عن ذلك . ومن أعمامه عبد الرحمن بن مقرن ، ذكره ابن سعد في الصحابة " . وهو مترجم في التهذيب ، وابن سعد 6 : 122 ، وابن أبي حاتم 2 2 284 .
وكان في المطبوعة : " عبد الله بن مغفل " ، غير ما في المخطوطة ، وبدل ، وصحف ، وأساء إساءة لا يعذر فيها .
(34) انظر تفسير " غفور " و " رحيم " فيما سلف من فهارس اللغة ( غفر ) ، ( رحم ) .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features