يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال نافع : مع محمد وأصحابه . وقال سعيد بن جبير : مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . وقال ابن جريج : مع المهاجرين ، لقوله تعالى : " للفقراء المهاجرين " إلى قوله " أولئك هم الصادقون " ( الحشر - 8 ) . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : مع الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك بإخلاص نية . وقيل : مع الذين صدقوا في الاعتراف بالذنب ولم يعتذروا بالأعذار الكاذبة .
وكان ابن مسعود يقرأ : ( وكونوا مع الصادقين ) وقال ابن مسعود : إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجز له ، اقرءوا إن شئتم وقرأ هذه الآية .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)

قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين
فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : وكونوا مع الصادقين هذا الأمر بالكون مع أهل الصدق حسن بعد قصة الثلاثة حين نفعهم الصدق وذهب بهم عن منازل المنافقين . قال مطرف : سمعت مالك بن أنس يقول : قلما كان رجل صادقا لا يكذب إلا متع بعقله ولم يصبه ما يصيب غيره من الهرم والخرف .
واختلف في المراد هنا بالمؤمنين والصادقين على أقوال ; فقيل : هو خطاب لمن آمن من أهل الكتاب . وقيل : هو خطاب لجميع المؤمنين ; أي اتقوا مخالفة أمر الله . وكونوا مع الصادقين أي مع الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا مع المنافقين . أي كونوا على مذهب الصادقين وسبيلهم . وقيل : هم الأنبياء ; أي كونوا معهم بالأعمال الصالحة في الجنة . وقيل : هم المراد بقوله : ليس البر أن تولوا وجوهكم - الآية إلى قوله - أولئك الذين صدقوا . وقيل : هم الموفون بما عاهدوا ; وذلك لقوله تعالى : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقيل : هم المهاجرون ; لقول أبي بكر يوم السقيفة إن الله سمانا الصادقين فقال : للفقراء المهاجرين الآية ، ثم سماكم بالمفلحين فقال : والذين تبوءوا الدار والإيمان الآية . وقيل : هم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم . قال ابن العربي : وهذا القول هو الحقيقة والغاية التي إليها المنتهى فإن هذه الصفة يرتفع بها النفاق في العقيدة والمخالفة في الفعل ، وصاحبها يقال له الصديق كأبي بكر وعمر وعثمان ومن دونهم على منازلهم وأزمانهم . وأما من قال : إنهم المراد بآية البقرة فهو معظم الصدق ويتبعه الأقل وهو معنى آية الأحزاب . وأما تفسير أبي بكر الصديق فهو الذي يعم الأقوال كلها فإن جميع الصفات فيهم موجودة .
الثانية : حق من فهم عن الله وعقل عنه أن يلازم الصدق في الأقوال ، والإخلاص في الأعمال ، والصفاء في الأحوال ، فمن كان كذلك لحق بالأبرار ووصل إلى رضا الغفار ; قال صلى الله عليه وسلم : عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا . والكذب على الضد من ذلك ; قال صلى الله عليه وسلم : إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا خرجه مسلم . فالكذب عار وأهله مسلوبو الشهادة ، وقد رد صلى الله عليه وسلم شهادة رجل في كذبة كذبها . قال معمر : لا أدري أكذب على الله أو كذب على رسوله أو كذب على أحد من الناس . وسئل شريك بن عبد الله فقيل له : يا أبا عبد الله ، رجل سمعته يكذب متعمدا أأصلي خلفه ؟ قال لا . وعن ابن مسعود قال : إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم شيئا ثم لا ينجزه ، اقرءوا إن شئتم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين هل ترون في الكذب رخصة ؟ وقال مالك : لا يقبل خبر الكاذب في حديث الناس وإن صدق في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال غيره : يقبل حديثه . والصحيح أن الكاذب لا تقبل شهادته ولا خبره لما ذكرناه ; فإن القبول مرتبة عظيمة وولاية شريفة لا تكون إلا لمن كملت خصاله ولا خصلة هي أشر من الكذب فهي تعزل الولايات وتبطل الشهادات .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)

؛ ولهذا قال : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) أي : اصدقوا والزموا الصدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجا من أموركم ، ومخرجا ، وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن شقيق ؛ عن عبد الله ، هو ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالصدق ؛ فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب ، حتى يكتب عند الله كذابا " .
أخرجاه في الصحيحين .
وقال شعبة ، عن عمرو بن مرة ، سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، أنه قال : [ إن ] الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ، اقرءوا إن شئتم : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصادقين ) - هكذا قرأها - ثم قال : فهل تجدون لأحد فيه رخصة .
وعن عبد الله بن عمر : ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وقال الضحاك : مع أبي بكر وعمر وأصحابهما .
وقال الحسن البصري : إن أردت أن تكون مع الصادقين ، فعليك بالزهد في الدنيا ، والكف عن أهل الملة .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features