دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96)

( درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ) قال ابن محيريز في هذه الآية : هي سبعون درجة ما بين كل درجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين خريفا .
وقيل : الدرجات هي الإسلام والجهاد والهجرة والشهادة فاز بها المجاهدون ، أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أنا عبد الله بن مسلم أبو بكر الجوربذي ، أنا يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ، حدثني أبو هانئ الخولاني ، عن أبي عبد الرحمن الجبلي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا سعيد من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وجبت له الجنة " قال فعجب لها أبو سعيد فقال : أعدها علي يا رسول الله ، ففعل ، قال : " وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض " قال : وما هي يا رسول الله؟ فقال : " الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله " .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاه ، أنا أبي ، أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن صالح المطرز ، أنا محمد بن يحيى ، أنا شريح بن النعمان ، أنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة ، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها " ، قالوا : أفلا ننذر الناس بذلك؟ قال : " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، ما بين كل من الدرجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة " .
واعلم أن الجهاد في الجملة فرض ، غير أنه ينقسم إلى فرض العين وفرض الكفاية .
ففرض العين : أن يدخل الكفار دار قوم من المؤمنين ، فيجب على كل مكلف من الرجال ، ممن لا عذر له من أهل تلك البلدة الخروج إلى عدوهم ، حرا كان أو عبدا ، غنيا كان أو فقيرا ، دفعا عن أنفسهم وعن جيرانهم .
وهو في حق من بعد منهم من المسلمين فرض على الكفاية ، فإن لم تقع الكفاية بمن نزل بهم يجب على من بعد منهم من المسلمين عونهم ، وإن وقعت الكفاية بالنازلين بهم فلا فرض على الأبعدين إلا على طريق الاختيار ، ولا يدخل في هذا القسم العبيد والفقراء ، ومن هذا القبيل أن يكون الكفار قارين في بلادهم ، فعلى الإمام أن لا يخلي سنة عن غزوة يغزوها بنفسه أو بسراياه حتى لا يكون الجهاد معطلا والاختيار للمطيق الجهاد مع وقوع الكفاية بغيره : أن لا يقعد عن الجهاد ، ولكن لا يفترض ، لأن الله تعالى وعد المجاهد والقاعد الثواب في هذه الآية فقال : ( وكلا وعد الله الحسنى ) ولو كان فرضا على الكافة لاستحق القاعد العقاب لا الثواب .
دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96)

دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا
دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96)

( درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما )
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة مائة درجة ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض " .
وقال الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من بلغ بسهم فله أجره درجة " فقال رجل : يا رسول الله ، وما الدرجة ؟ فقال : " أما إنها ليست بعتبة أمك ، ما بين الدرجتين مائة عام " .
دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96)

القول في تأويل قوله : دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: " درجات منه "، فضائل منه ومنازل من منازل الكرامة. (21)
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى " الدرجات " التي قال جل ثناؤه: " درجات منه ".
فقال بعضهم بما:-
10256- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " درجات منه ومغفرة ورحمة "، كان يقال: الإسلام درجة، والهجرة في الإسلام درجة، والجهاد في الهجرة درجة، والقتل في الجهاد دَرَجة.
* * *
وقال آخرون بما:-
10257- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سألت ابن زيد عن قول الله تعالى: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ ،" الدرجات " هي السبع التي ذكرها في" سورة براءة ": مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ فقرأ حتى بلغ: أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة التوبة: 120-121]. قال: هذه السبع الدرجات. قال: وكان أول شيء، فكانت درجة الجهاد مُجْملة، فكان الذي جاهد بماله له اسمٌ في هذه، فلما جاءت هذه الدرجات بالتفصيل أخرج منها، فلم يكن له منها إلا النفقة، فقرأ: لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ ، وقال: ليس هذا لصاحب النفقة. ثم قرأ: وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً ، قال: وهذه نفقة القاعد.
* * *
وقال آخرون: عنى بذلك درجات الجنة.
ذكر من قال ذلك.
10258- حدثنا علي بن الحسن الأزدي قال، حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن هشام بن حسان، عن جبلة بن سحيم. عن ابن محيريز في قوله: " فضل الله المجاهدين على القاعدين "، إلى قوله: " درجات "، قال: الدرجات سبعون درجة، ما بين الدرجتين حُضْرُ الفرس الجواد المُضَمَّر سبعين سنة. (22)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلات بتأويل قوله: " درجات منه "، أن يكون معنيًّا به درجات الجنة، كما قال ابن محيريز. لأن قوله تعالى ذكره: " درجات منه ": ترجمة وبيان عن قوله: " أجرًا عظيمًا "، ومعلوم أن " الأجر "، إنما هو الثواب والجزاء. (23) وإذْ كان ذلك كذلك، وكانت " الدرجات " و " المغفرة " و " الرحمة " ترجمة عنه، كان معلومًا أن لا وجه لقول من وجَّه معنى قوله: " درجات منه "، إلى الأعمال وزيادتها على أعمال القاعدين عن الجهاد، كما قال قتادة وابن زيد: وإذ كان ذلك كذلك، وكان الصحيح من تأويل ذلك ما ذكرنا، فبيِّنٌ أن معنى الكلام: وفضل الله المجاهدين في سبيل الله على القاعدين من غير أولي الضرر، أجرًا عظيمًا، وثوابًا جزيلا وهو درجات أعطاهموها في الآخرة من درجات الجنة، رفعهم بها على القاعدين بما أبلوا في ذات الله.
* * *
=" ومغفرة " يقول: وصفح لهم عن ذنوبهم، فتفضل عليهم بترك عقوبتهم عليها=
" ورحمة "، يقول: ورأفة بهم=" وكان الله غفورًا رحيمًا "، يقول: ولم يزل الله غفورًا لذنوب عباده المؤمنين، يصفح لهم عن العقوبة عليها (24) =" رحيما " بهم، يتفضل عليهم بنعمه، مع خلافهم أمره ونهيه، وركوبهم معاصيه. (25)
------------------
الهوامش :
(21) انظر تفسير"الدرجة" فيما سلف 4: 533 ، 536 / 7 : 368 ، وما مضى ص: 95 ، تعليق: 2
(22) الأثر: 10258 -"علي بن الحسين الأزدي" ، شيخ الطبري ، لم أجد له ترجمة ، وقد روى عنه في تاريخه في مواضع منها 1 : 44 ، 49 / 6: 73 ، 143.
و"الأشجعي" ، هو: "عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي" مضت ترجمته برقم: 8622 . و"سفيان" ، هو الثوري.
و"هشام بن حسان القردوسي" مضى برقم 2827 ، 7287.
و"جبلة بن سحيم" مضى برقم: 3003 .
و"ابن محيريز" ، هو عبد الله بن محيريز ، مضى برقم: 8720.
و"حضر الفرس" ارتفاعه في عدوه ، "أحضر الفرس يحضر إحضارًا" ، عدا عدوًا شديدًا.
و"الفرس المضمر" ، وهو الذي أعد إعدادًا للسباق والركض.
(23) انظر تفسير"الأجر" فيما سلف 8 : 542 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(24) في المطبوعة: "فيصفح" بزيادة الفاء ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الجيد.
(25) انظر تفسير"المغفرة" ، و"الرحمة" ، و"غفور" و"رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة.
دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96)

ولما وعد المجاهدين بالمغفرة والرحمة الصادرَيْن عن اسميه الكريمين { الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ختم هذا الآية بهما فقال: { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features