وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)

{ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} وإنما كرر لتأكيد النسخ.
{لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا} اختلفوا في تأويل هذه الآية ووجه قوله "إلا" فقال بعضهم: معناه حولت القبلة إلى الكعبة {لئلا يكون للناس عليكم حجة} إذا توجهتم إلى غيرها فيقولون ليست لكم قبلة {إلا الذين ظلموا} وهم قريش واليهود فأما قريش فتقول رجع محمد إلى الكعبة، لأنه علم أنها الحق وأنها قبلة آبائه، فكذلك يرجع إلى ديننا، وأما اليهود فتقول: لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بأنه حق إلا أنه يعمل برأيه.
وقال قوم: {لئلا يكون للناس عليكم حجة} يعني اليهود وكانت حجتهم على طريق المخاصمة على المؤمنين في صلاتهم إلى بيت المقدس أنهم كانوا يقولون ما درى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم نحن، وقوله {إلا الذين ظلموا} وهم مشركو مكة، وحجتهم: أنهم قالوا - لما صرفت قبلتهم إلى الكعبة إن محمداً قد تحير في دينه وسيعود إلى ملتنا كما عاد إلى قبلتنا، وهذا معنى قول مجاهد وعطاء وقتادة، وعلى هذين التأويلين يكون الاستثناء صحيحاً، وقوله {إلا الذين ظلموا} يعني لا حجة لأحد عليكم إلا لمشركي قريش فإنهم يحاجونكم فيجادلونكم ويخاصمونكم بالباطل والظلم والاحتجاج بالباطب يسمى حج كما قال الله تعالى {حجتهم داحضة عند ربهم} [16-الشورى]، وموضع "الذين" خفض كأنه قال سوى الذين ظلموا قاله الكسائي وقال الفراء نصب بالاستثناء.
قوله تعالى: {منهم} يعني من الناس وقيل هذا استثناء منقطع عن الكلام الأول، معناه ولكن الذين ظلموا يجادلونكم بالباطل، كما قال الله تعالى {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن} [157-النساء] يعني لكن يتبعون الظن فهو كقول الرجل مالك عندي حق إلا أن تظلم.
قال أبو ورق: "{لئلا يكون للناس} يعني اليهود، {عليكم حجة} وذلك أنهم عرفوا أن الكعبة قبلة إبراهيم ووجدوا في التوراة أن محمداً سيحول إليها فحوله الله تعالى إليها لئلا يكون لهم حجة فيقولون: إن النبي الذي نجده في كتابنا سيحول إليها ولم تحول أنت، فلما حول إليها ذهبت حجتهم، {إلا الذين ظلموا} يعني إلا أن يظلموا فيكتموا ما عرفوا من الحق".
وقال أبو عبيدة: "قوله {إلا الذين ظلموا} ليس باستثناء ولكن (إلا) في موضع واو العطف". يعني: والذين ظلموا أيضاً لا يكون لهم حجة كما قال الشاعر: وكل أخ مفارقه أخوه *** لعمر أبيك إلا الفرقدان
معناه والفرقدان أيضاً يتفرقان، فمعنى الآية فتوجهوا إلى الكعبة {لئلا يكون للناس} يعني اليهود، {عليكم حجة} فيقولوا لم تركتم الكعبة وهي قبلة إبراهيم وأنتم على دينه ولا الذين ظلموا وهم مشركو مكة فيقولون لم ترك محمد قبلة جده وتحول عنها إلى قبلة اليهود.
{فلا تخشوهم} في انصرافكم إلى الكعبة وفي تظاهرهم عليكم بالمجادلة فإني وليكم أظهركم عليهم بالحجة والنصرة.
{واخشوني ولأتم نعمتي عليكم} عطف على قوله {لئلا يكون للناس عليكم حجة} ولكي أتم نعمتي عليكم بهدايتي إياكم إلى قبلة إبراهيم فتتم لكم الملة الحنيفية، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "تمام النعمة الموت على الإسلام". قال سعيد بن جبير: "لا يتم نعمة على المسلم إلا أن يدخله الله الجنة".
{ولعلكم تهتدون} لكي تهتدوا من الضلالة. و(لعل) و(عسى) من الله واجب.
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)

وقال في الأمر الثاني : ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ) فذكر أنه الحق من الله وارتقى عن المقام الأول ، حيث كان موافقا لرضا الرسول صلى الله عليه وسلم فبين أنه الحق أيضا من الله يحبه ويرتضيه ، وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع حجة المخالف من اليهود الذين كانوا يتحججون باستقبال الرسول إلى قبلتهم ، وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، إلى الكعبة ، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول صلى الله عليه وسلم عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف ، وقد كانوا يعظمون الكعبة وأعجبهم استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم إليها ، وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التكرار ، وقد بسطها فخر الدين وغيره ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقوله : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) أي : أهل الكتاب ; فإنهم يعلمون من صفة هذه الأمة التوجه إلى الكعبة ، فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين أو لئلا يحتجوا بموافقة المسلمين إياهم في التوجه إلى بيت المقدس . وهذا أظهر .
قال أبو العالية : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) يعني به أهل الكتاب حين قالوا : صرف محمد إلى الكعبة .
وقالوا : اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه . وكان حجتهم على النبي صلى الله عليه وسلم انصرافه إلى البيت الحرام أن قالوا : سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي ، نحو هذا .
وقال هؤلاء في قوله : ( إلا الذين ظلموا منهم ) يعني : مشركي قريش .
ووجه بعضهم حجة الظلمة وهي داحضة أن قالوا : إن هذا الرجل يزعم أنه على دين إبراهيم : فإن كان توجهه إلى بيت المقدس على ملة إبراهيم ، فلم رجع عنه ؟ والجواب : أن الله تعالى اختار له التوجه إلى بيت المقدس أولا لما له تعالى في ذلك من الحكمة ، فأطاع ربه تعالى في ذلك ، ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم وهي الكعبة فامتثل أمر الله في ذلك أيضا ، فهو ، صلوات الله وسلامه عليه ، مطيع لله في جميع أحواله ، لا يخرج عن أمر الله طرفة عين ، وأمته تبع له .
وقوله : ( فلا تخشوهم واخشوني ) أي : لا تخشوا شبه الظلمة المتعنتين ، وأفردوا الخشية لي ، فإنه تعالى هو أهل أن يخشى منه .
وقوله : ( ولأتم نعمتي عليكم ) عطف على ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) أي : ولأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة ، لتكمل لكم الشريعة من جميع وجوهها ( ولعلكم تهتدون ) أي : إلى ما ضلت عنه الأمم هديناكم إليه ، وخصصناكم به ، ولهذا كانت هذه الأمة أشرف الأمم وأفضلها .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features