لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)

قوله - عز وجل - ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ) بالآيات والحجج ( وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ) يعني : العدل . وقال مقاتل بن سليمان : هو ما يوزن به أي : ووضعنا الميزان كما قال : " والسماء رفعها ووضع الميزان " ( الرحمن - 7 ( ليقوم الناس بالقسط ) ليتعاملوا بينهم بالعدل .
( وأنزلنا الحديد ) روي عن ابن عمر يرفعه : إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض : الحديد والنار والماء والملح وقال أهل المعاني معنى قوله : " أنزلنا الحديد " [ أنشأنا وأحدثنا أي : أخرج لهم الحديد ] من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه .
وقال قطرب هذا من النزل كما يقال : أنزل الأمير على فلان نزلا حسنا فمعنى الآية : أنه جعل ذلك نزلا لهم . ومثله قوله : وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ( الزمر - 6 ) . ( فيه بأس شديد ) قوة شديدة يعني : السلاح للحرب . قال مجاهد : فيه جنة وسلاح يعني آلة الدفع وآلة الضرب ( ومنافع للناس ) مما ينتفعون به في مصالحهم كالسكين والفأس والإبرة ونحوها إذ هو آلة لكل صنعة ( وليعلم الله ) أي : أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم هذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق والعدل وليعلم الله وليرى الله ( من ينصره ) أي : دينه ( ورسله بالغيب ) أي : قام بنصرة الدين ولم ير الله ولا الآخرة ، وإنما يحمد ويثاب من أطاع الله بالغيب ( إن الله قوي عزيز ) قوي في أمره ، عزيز في ملكه .
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)

يقول تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ) أي : بالمعجزات ، والحجج الباهرات ، والدلائل القاطعات ، ( وأنزلنا معهم الكتاب ) وهو : النقل المصدق ) والميزان ) وهو : العدل . قاله مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما . وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة ، كما قال : ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ) [ هود : 17 ] ، وقال : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) [ الروم : 30 ] ، وقال : ( والسماء رفعها ووضع الميزان ) [ الرحمن : 7 ] ; ولهذا قال في هذه الآية : ( ليقوم الناس بالقسط ) أي : بالحق والعدل وهو : اتباع الرسل فيما أخبروا به ، وطاعتهم فيما أمروا به ، فإن الذي جاءوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق ، كما قال : ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) [ الأنعام : 115 ] أي : صدقا في الإخبار ، وعدلا في الأوامر والنواهي . ولهذا يقول المؤمنون إذا تبوءوا غرف الجنات ، والمنازل العاليات ، والسرر المصفوفات : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ) [ الأعراف : 43 ] .
وقوله : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) أي : وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه ; ولهذا أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية ، وكلها جدال مع المشركين ، وبيان وإيضاح للتوحيد ، وتبيان ودلائل ، فلما قامت الحجة على من خالف ، شرع الله الهجرة ، وأمرهم بالقتال بالسيوف ، وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده .
وقد روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن حسان بن عطية ، عن أبي المنيب الجرشي الشامي ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم "
ولهذا قال تعالى : ( فيه بأس شديد ) يعني : السلاح كالسيوف ، والحراب ، والسنان ، والنصال ، والدروع ، ونحوها . ( ومنافع للناس ) أي : في معايشهم كالسكة ، والفأس ، والقدوم ، والمنشار ، والإزميل ، والمجرفة ، والآلات التي يستعان بها في الحراثة ، والحياكة ، والطبخ ، والخبز ، وما لا قوام للناس بدونه ، وغير ذلك .
قال علباء بن أحمد ، عن عكرمة ، أن ابن عباس قال : ثلاثة أشياء نزلت مع آدم : السندان ، والكلبتان ، والميقعة ، يعني المطرقة . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .
وقوله : ( وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) أي : من نيته في حمل السلاح نصرة الله ورسله ، ( إن الله قوي عزيز ) أي : هو قوي عزيز ، ينصر من نصره من غير احتياج منه إلى الناس ، وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض .
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)

يقول تعالى ذكره: لقد أرسلنا رسلنا بالمفصَّلات من البيان والدلائل، وأنـزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع، والميزان بالعدل.
كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ) قال: الميزان: العدل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنـزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ) بالحق (1) ؛ قال: الميزان: ما يعمل الناس، ويتعاطون عليه في الدنيا من معايشهم التي يأخذون ويعطون، يأخذون بميزان، ويعطون بميزان، يعرف ما يأخذ وما يعطي. قال: والكتاب فيه دين الناس الذي يعملون ويتركون، فالكتاب للآخرة، والميزان للدنيا.
وقوله: (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) يقول تعالى ذكره: ليعمل الناس بينهم بالعدل.
وقوله: (وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) يقول تعالى ذكره: وأنـزلنا لهم الحديد فيه بأس شديد، يقول: فيه قوّة شديدة، ومنافع للناس، وذلك ما ينتفعون به منه عند لقائهم العدوّ، وغير ذلك من منافعه.
وقد حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن علباء بن أحمر، عن عكرِمة عن ابن عباس، قال: ثلاثة أشياء نـزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) قال: البأس الشديد: السيوف والسلاح الذي يقاتل الناس بها، (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) بعد، يحفرون بها الأرض والجبال وغير ذلك.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد: قوله: (وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) وجنُة وسلاح، وأنـزله ليعلم الله من ينصره.
وقوله: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ) يقول تعالى ذكره: أرسلنا رسلنا إلى خلقنا وأنـزلنا معهم هذه الأشياء ليعدلوا بينهم، وليعلم حزب الله من ينصر دين الله ورسله بالغيب منه عنهم.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الله قويّ على الانتصار ممن بارزه بالمعاداة، وخالف أمره ونهيه، عزيز في انتقامه منهم، لا يقدر أحد على الانتصار منه مما أحلّ به من العقوبة.
------------------------
الهوامش:
(1) ‌لعله والميزان، والميزان بالحق
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features