سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)

( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) وذلك أن أبا سفيان والمشركين لما ارتحلوا يوم أحد متوجهين نحو مكة انطلقوا حتى إذا بلغوا بعض الطريق ندموا وقالوا : بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ، ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك قذف الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به .
سنلقي أي : سنقذف في قلوب الذين كفروا ، الرعب : الخوف ، وقرأ أبو جعفر وابن عامر والكسائي ويعقوب ( الرعب ) بضم العين وقرأ الآخرون بسكونها ، ( بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ) حجة وبرهانا ، ( ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ) مقام الكافرين .
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)

ثم بشرهم بأنه سيلقي في قلوب أعدائهم الخوف منهم والذلة لهم ، بسبب كفرهم وشركهم ، مع ما ادخره لهم في الدار الآخرة من العذاب والنكال ، فقال : ( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ) .
وقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم ، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي عن سليمان - يعني التيمي - عن سيار ، عن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فضلني [ ربي ] على الأنبياء - أو قال : على الأمم - بأربع " قال " أرسلت إلى الناس كافة وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدا وطهورا فأينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره ، ونصرت بالرعب مسيرة شهر يقذفه في قلوب أعدائي وأحل لي الغنائم " .
ورواه الترمذي من حديث سليمان التيمي ، عن سيار القرشي الأموي مولاهم الدمشقي - سكن البصرة - عن أبي أمامة صدي بن عجلان ، رضي الله عنه ، به . وقال : حسن صحيح .
وقال سعيد بن منصور : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث : أن أبا يونس حدثه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نصرت بالرعب على العدو " .
ورواه مسلم من حديث ابن وهب .
وروى الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن أبي بردة ، عن أبيه أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسا : بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي ، ونصرت بالرعب شهرا ، وأعطيت الشفاعة ، وليس من نبي إلا وقد سأل شفاعته ، وإني اختبأت شفاعتي ، ثم جعلتها لمن مات لا يشرك بالله شيئا " .
تفرد به أحمد .
وروى العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) قال : قذف الله في قلب أبي سفيان الرعب ، فرجع إلى مكة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا ، وقد رجع ، وقذف الله في قلبه الرعب " . رواه ابن أبي حاتم .
وقوله : ( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ) قال ابن عباس : وعدهم الله النصر .
وقد يستدل بهذه الآية على أحد القولين المتقدمين في قوله : ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين . بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) أن ذلك كان يوم أحد لأن عدوهم كان ثلاثة آلاف مقاتل ، فلما واجهوهم كان الظفر والنصر أول النهار للإسلام ، فلما حصل ما حصل من عصيان الرماة وفشل بعض المقاتلة ، تأخر الوعد الذي كان مشروطا بالثبات والطاعة ، ولهذا قال :
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)

وفي ضمن ذلك الحث لهم على اتخاذه وحده وليا وناصرا من دون كل أحد، فمن ولايته ونصره لهم أنه وعدهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم من الكافرين الرعب، وهو الخوف العظيم الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم، وقد فعل تعالى. وذلك أن المشركين -بعدما انصرفوا من وقعة "أحد" - تشاوروا بينهم، وقالوا: كيف ننصرف، بعد أن قتلنا منهم من قتلنا، وهزمناهم ولما نستأصلهم؟ فهموا بذلك، فألقى الله الرعب في قلوبهم، فانصرفوا خائبين، ولا شك أن هذا من أعظم النصر، لأنه قد تقدم أن نصر الله لعباده المؤمنين لا يخرج عن أحد أمرين: إما أن يقطع طرفا من الذين كفروا، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين، وهذا من الثاني. ثم ذكر السبب الموجب لإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، فقال: { بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا } أي: ذلك بسبب ما اتخذوا من دونه من الأنداد والأصنام، التي اتخذوها على حسب أهوائهم وإرادتهم الفاسدة، من غير حجة ولا برهان، وانقطعوا من ولاية الواحد الرحمن، فمن ثم كان المشرك مرعوبا من المؤمنين، لا يعتمد على ركن وثيق، وليس له ملجأ عند كل شدة وضيق، هذا حاله في الدنيا، وأما في الآخرة فأشد وأعظم، ولهذا قال: { ومأواهم النار } أي: مستقرهم الذي يأوون إليه وليس لهم عنها خروج، { وبئس مثوى الظالمين } بسبب ظلمهم وعدوانهم صارت النار مثواهم.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features