بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90)

{بئسما اشتروا به أنفسهم} بئس ونعم: فعلان ماضيان وضعا للمدح والذم، لا يتصرفان تصرف الأفعال، معناه: بئس الذي اختاروا لأنفسهم حين استبدلوا الباطل بالحق.
وقيل: الاشتراء هاهنا بمعنى البيع والمعنى بئس ما باعوا به حظ أنفسهم أي حين اختاروا الكفر (وبذلوا أنفسهم للنار).
{أن يكفروا بما أنزل الله} يعني القرآن.
{بغياً} أي حسداً، وأصل البغي: الفساد، ويقال بغى الجرح إذا فسد، والبغي: الظلم، وأصله الطلب، والباغي طالب الظلم
والحاسد يظلم المحسود جهده، طلباً لإزالة نعمة الله تعالى عنه.
{أن ينزل الله من فضله} أي النبوة والكتاب.
قرأ أهل مكة والبصرة ينزل بالتخفيف إلا ( في سبحان الذي ) في موضعين {وننزل من القرآن} [93-الإسراء] و{حتى تنزل} [93-الإسراء] فإن ابن كثير يشددهما، وشدد البصريون في الأنعام {على أن ينزل آية} [37-الأنعام] زاد يعقوب تشديد (بما ينزل) في النحل ووافق حمزة والكسائي في تخفيف (وينزل الغيث) في سورة لقمان وحم وعسق، والآخرون يشددون الكل، ولم يختلفوا في تشديد {وما ننزله إلا بقدر} في الحجر.
{على من يشاء من عباده} محمد صلى الله عليه وسلم.
{وباءوا بغضب} أي رجعوا بغضب.
{على غضب} قال ابن عباس ومجاهد: "الغضب الأول بتضييعهم التوراة وتبديلهم، والثاني بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن"، وقال قتادة: "الأول بكفرهم بعيسى والإنجيل، والثاني بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن"، وقال السدي: "الأول بعبادة العجل والثاني بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم".
{وللكافرين} الجاحدين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم.
{عذاب مهين} مخز يهانون فيه.
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90)

قال مجاهد : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) يهود شروا الحق بالباطل ، وكتمان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بأن يبينوه .
وقال السدي : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) يقول : باعوا به أنفسهم ، يعني : بئسما اعتاضوا لأنفسهم ورضوا به [ وعدلوا إليه من الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم إلى تصديقه ومؤازرته ونصرته ] .
وإنما حملهم على ذلك البغي والحسد والكراهية ( أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) ولا حسد أعظم من هذا .
قال ابن إسحاق عن محمد ، عن عكرمة أو سعيد ، عن ابن عباس : ( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) أي : إن الله جعله من غيرهم ( فباءوا بغضب على غضب ) قال ابن عباس : فالغضب على الغضب ، فغضبه عليهم فيما كانوا ضيعوا من التوراة وهي معهم ، وغضب بكفرهم بهذا النبي الذي أحدث الله إليهم .
قلت : ومعنى ( باءوا ) استوجبوا ، واستحقوا ، واستقروا بغضب على غضب . وقال أبو العالية : غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى ، ثم غضب عليهم بكفرهم بمحمد ، وبالقرآن عليهما السلام ، [ وعن عكرمة وقتادة مثله ] .
قال السدي : أما الغضب الأول فهو حين غضب عليهم في العجل ، وأما الغضب الثاني فغضب عليهم حين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم [ وعن ابن عباس مثله ] .
وقوله : ( وللكافرين عذاب مهين ) لما كان كفرهم سببه البغي والحسد ، ومنشأ ذلك التكبر ، قوبلوا بالإهانة والصغار في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) [ غافر : 60 ] ، [ أي : صاغرين حقيرين ذليلين راغمين ] .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، حدثنا ابن عجلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس ، يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم ، يقال له : بولس فيعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال : عصارة أهل النار " .
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90)

أي: ولما جاءهم كتاب من عند الله على يد أفضل الخلق وخاتم الأنبياء, المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة, وقد علموا به, وتيقنوه حتى إنهم كانوا إذا وقع بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب, استنصروا بهذا النبي, وتوعدوهم بخروجه, وأنهم يقاتلون المشركين معه، فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا, كفروا به, بغيا وحسدا, أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، فلعنهم الله, وغضب عليهم غضبا بعد غضب, لكثرة كفرهم وتوالى شكهم وشركهم. { وللكافرين عذاب مهين } أي: مؤلم موجع, وهو صلي الجحيم, وفوت النعيم المقيم، فبئس الحال حالهم, وبئس ما استعاضوا واستبدلوا من الإيمان بالله وكتبه ورسله, الكفر به, وبكتبه, وبرسله, مع علمهم وتيقنهم, فيكون أعظم لعذابهم.
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90)

قوله تعالى : بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين قوله تعالى : بئسما اشتروا بئس في كلام العرب مستوفية للذم ، كما أن " نعم " مستوفية للمدح . وفي كل واحدة منها أربع لغات : بئس ، بئس ، بئس ، بئس . نعم ، نعم ، نعم ، نعم . ومذهب سيبويه أن " ما " فاعلة بئس ، ولا تدخل إلا على أسماء الأجناس والنكرات . وكذا نعم ، فتقول نعم الرجل زيد ، ونعم رجلا زيد ، فإذا كان معها اسم بغير ألف ولام فهو نصب أبدا ، فإذا كان فيه ألف ولام فهو رفع أبدا ، ونصب رجل على التمييز . وفي نعم مضمر على شريطة التفسير ، وزيد مرفوع على وجهين : على خبر ابتداء محذوف ، كأنه قيل من الممدوح ؟ قلت هو زيد ، والآخر على الابتداء وما قبله خبره . وأجاز أبو علي أن تليها " ما " موصولة وغير موصولة من حيث كانت مبهمة تقع على الكثرة ولا تخص واحدا بعينه ، والتقدير عند سيبويه : بئس الشيء اشتروا به أنفسهم أن يكفروا . ف أن يكفروا في موضع رفع بالابتداء ، وخبره فيما قبله ، كقولك : بئس الرجل زيد ، و " ما " على هذا القول موصولة . وقال الأخفش : " ما " في موضع نصب على التمييز ، كقولك : بئس رجلا زيد ، فالتقدير بئس شيئا أن يكفروا . ف اشتروا به أنفسهم على هذا القول صفة " ما " . وقال الفراء : بئسما بجملته شيء واحد ركب كحبذا . وفي هذا القول اعتراض ; لأنه يبقى فعل بلا فاعل . وقال الكسائي : " ما " واشتروا بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه ، والتقدير بئس اشتراؤهم أن يكفروا . وهذا مردود ، فإن نعم وبئس لا يدخلان على اسم معين معرف ، والشراء قد تعرف بإضافته إلى الضمير . قال النحاس : وأبين هذه الأقوال قول الأخفش وسيبويه . قال الفراء والكسائي : أن يكفروا إن شئت كانت أن في موضع خفض ردا على الهاء في به . قال الفراء : أي اشتروا أنفسهم بأن يكفروا بما أنزل الله . فاشترى بمعنى باع وبمعنى ابتاع ، والمعنى : بئس الشيء الذي اختاروا لأنفسهم حيث استبدلوا الباطل بالحق ، والكفر بالإيمان .
قوله تعالى : بغيا معناه حسدا ، قاله قتادة والسدي ، وهو مفعول من أجله ، وهو على الحقيقة مصدر . الأصمعي : وهو مأخوذ من قولهم : قد بغى الجرح إذا فسد . وقيل : أصله الطلب ، ولذلك سميت الزانية بغيا .
أن ينزل الله في موضع نصب ، أي لأن ينزل ، أي لأجل إنزال الله الفضل على نبيه صلى الله عليه وسلم . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محيصن " أن ينزل " مخففا ، وكذلك سائر ما في القرآن ، إلا وما ننزله في " الحجر " ، وفي " الأنعام " على أن ينزل آية .
قوله تعالى : فباءوا أي رجعوا ، وأكثر ما يقال في الشر ، وقد تقدم . بغضب على غضب تقدم معنى غضب الله عليهم ، وهو عقابه ، فقيل : الغضب الأول لعبادتهم العجل ، والثاني لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس . وقال عكرمة : لأنهم كفروا بعيسى ثم كفروا بمحمد ، يعني اليهود . وروى سعيد عن قتادة : الأول لكفرهم بالإنجيل ، والثاني لكفرهم بالقرآن . وقال قوم : المراد التأبيد وشدة الحال عليهم ، لا أنه أراد غضبين معللين بمعصيتين . ومهين مأخوذ من الهوان ، وهو ما اقتضى الخلود في النار دائما بخلاف خلود العصاة من المسلمين ، فإن ذلك تمحيص لهم وتطهير ، كرجم الزاني وقطع يد السارق ، على ما يأتي بيانه في سورة " النساء " من حديث أبي سعيد الخدري إن شاء الله تعالى .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features