فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)

( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ) والملأ هم الأشراف والرؤساء . ( وما نراك ) يا نوح ، ( إلا بشرا ) آدميا ، ( مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ) سفلتنا ، والرذل : الدون من كل شيء والجمع : أرذل ، ثم يجمع على أراذل ، مثل : كلب وأكلب وأكالب ، وقال في سورة الشعراء : " واتبعك الأرذلون " يعني : السفلة . وقال عكرمة : الحاكة والأساكفة ، ( بادي الرأي ) قرأ أبو عمرو " بادئ " بالهمز ، أي : أول الرأي ، يريدون أنهم اتبعوك في أول الرأي من غير روية وتفكر ، ولو تفكروا لم يتبعوك . وقرأ الآخرون بغير همز ، أي ظاهر الرأي من قولهم : بدا الشيء : إذا ظهر ، معناه : اتبعوك ظاهرا من غير أن يتدبروا ويتفكروا باطنا . قال مجاهد : رأي العين ، ( وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ) .
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)

( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ) والملأ هم : السادة والكبراء من الكافرين منهم : ( ما نراك إلا بشرا مثلنا ) أي : لست بملك ، ولكنك بشر ، فكيف أوحي إليك من دوننا ؟ ثم ما نراك اتبعك إلا أراذلنا كالباعة والحاكة وأشباههم ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء [ منا ] ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم يكن عن ترو منهم ولا فكرة ولا نظر ، بل بمجرد ما دعوتهم أجابوك فاتبعوك ; ولهذا قال : ( وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ) أي : في أول بادئ الرأي ، ( وما نرى لكم علينا من فضل ) يقولون : ما رأينا لكم علينا فضيلة في خلق ولا خلق ، ولا رزق ولا حال ، لما دخلتم في دينكم هذا ، ( بل نظنكم كاذبين ) أي : فيما تدعونه لكم من البر والصلاح والعبادة ، والسعادة في الدار الآخرة إذا صرتم إليها .
هذا اعتراض الكافرين على نوح ، عليه السلام ، وأتباعه ، وذلك دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم ، فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه ، فإن الحق في نفسه صحيح ، وسواء اتبعه الأشراف أو الأراذل بل الحق الذي لا شك فيه أن أتباع الحق هم الأشراف ، ولو كانوا فقراء ، والذين يأبونه هم الأراذل ، ولو كانوا أغنياء . ثم الواقع غالبا أن ما يتبع الحق ضعفاء الناس ، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته ، كما قال تعالى : ( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) [ الزخرف : 23 ] ، ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له فيما قال : أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم ؟ قال : بل ضعفاؤهم . فقال هرقل : هم أتباع الرسل .
وقولهم ) بادي الرأي ) ليس بمذمة ولا عيب; لأن الحق إذا وضح لا يبقى للتروي ولا للفكر مجال ، بل لا بد من اتباع الحق والحالة هذه لكل ذي زكاء وذكاء ولا يفكر وينزوي هاهنا إلا عيي أو غبي . والرسل ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، إنما جاءوا بأمر جلي واضح .
وقد جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر ، فإنه لم يتلعثم " أي : ما تردد ولا تروى ، لأنه رأى أمرا جليا عظيما واضحا ، فبادر إليه وسارع .
وقولهم : ( وما نرى لكم علينا من فضل ) هم لا يرون ذلك; لأنهم عمي عن الحق ، لا يسمعون ولا يبصرون : بل هم في ريبهم يترددون ، في ظلمات الجهل يعمهون ، وهم الأفاكون الكاذبون ، الأقلون الأرذلون ، وفي الآخرة هم الأخسرون .
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)

{ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ } أي: الأشراف والرؤساء، رادين لدعوة نوح عليه السلام، كما جرت العادة لأمثالهم، أنهم أول من رد دعوة المرسلين.
{ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا } وهذا مانع بزعمهم عن اتباعه، مع أنه في نفس الأمر هو الصواب، الذي لا ينبغي غيره، لأن البشر يتمكن البشر، أن يتلقوا عنه، ويراجعوه في كل أمر، بخلاف الملائكة.
{ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا } أي: ما نرى اتبعك منا إلا الأراذل والسفلة، بزعمهم.
وهم في الحقيقة الأشراف، وأهل العقول، الذين انقادوا للحق ولم يكونوا كالأراذل، الذين يقال لهم الملأ، الذين اتبعوا كل شيطان مريد، واتخذوا آلهة من الحجر والشجر، يتقربون إليها ويسجدون لها، فهل ترى أرذل من هؤلاء وأخس؟.
وقولهم: { بَادِيَ الرَّأْيِ } أي: إنما اتبعوك من غير تفكر وروية، بل بمجرد ما دعوتهم اتبعوك، يعنون بذلك، أنهم ليسوا على بصيرة من أمرهم، ولم يعلموا أن الحق المبين تدعو إليه بداهة العقول، وبمجرد ما يصل إلى أولي الألباب، يعرفونه ويتحققونه، لا كالأمور الخفية، التي تحتاج إلى تأمل، وفكر طويل.
{ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ } أي: لستم أفضل منا فننقاد لكم، { بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ } وكذبوا في قولهم هذا، فإنهم رأوا من الآيات التي جعلها الله مؤيدة لنوح، ما يوجب لهم الجزم التام على صدقه.
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)

قوله تعالى : فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : فقال الملأ قال أبو إسحاق الزجاج : الملأ الرؤساء ; أي هم مليئون بما يقولون . وقد تقدم هذا في " البقرة " وغيرها .
ما نراك إلا بشرا مثلنا أي آدميا . " مثلنا " نصب على الحال . و " مثلنا " مضاف إلى معرفة وهو نكرة يقدر فيه التنوين ; كما قال الشاعر :
يا رب مثلك في النساء غريرة
الثانية : قوله تعالى : وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا أراذل جمع أرذل ، وأرذل جمع رذل ; مثل كلب وأكلب وأكالب . وقيل : والأراذل جمع الأرذل ، كأساود جمع الأسود من الحيات . والرذل النذل ; أرادوا اتبعك أخساؤنا وسقطنا وسفلتنا . قال الزجاج : نسبوهم إلى الحياكة ; ولم يعلموا أن الصناعات لا أثر لها في الديانة . قال النحاس : الأراذل هم الفقراء ، والذين لا حسب لهم ، والخسيسو الصناعات . وفي الحديث أنهم كانوا حاكة وحجامين . وكان هذا جهلا منهم ; لأنهم عابوا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بما لا عيب فيه ; لأن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات ، وليس عليهم تغيير الصور والهيئات ، وهم يرسلون إلى الناس جميعا ، فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان ; لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم .
قلت : الأراذل هنا هم الفقراء والضعفاء ; كما قال هرقل لأبي سفيان : أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فقال : بل ضعفاؤهم ; فقال : هم أتباع الرسل . قال علماؤنا : إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف ، وصعوبة الانفكاك عنها ، والأنفة من الانقياد للغير ; والفقير خلي عن تلك الموانع ، فهو سريع إلى الإجابة والانقياد . وهذا غالب أحوال أهل الدنيا .
الثالثة : اختلف العلماء في تعيين السفلة على أقوال ; فذكر ابن المبارك عن سفيان أن السفلة هم الذين يتقلسون ، ويأتون أبواب القضاة والسلاطين يطلبون الشهادات وقال ثعلب عن ابن الأعرابي : السفلة الذين يأكلون الدنيا بدينهم ; قيل له : فمن سفلة السفلة ؟ قال : الذي يصلح دنيا غيره بفساد دينه . وسئل علي - رضي الله عنه - عن السفلة فقال : الذين إذا اجتمعوا غلبوا ; وإذا تفرقوا لم يعرفوا . وقيل لمالك بن أنس - رضي الله عنه - : من السفلة ؟ قال : الذي يسب الصحابة . وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : الأرذلون الحاكة والحجامون . يحيى بن أكثم : الدباغ والكناس إذا كان من غير العرب .
الرابعة : إذا قالت المرأة لزوجها : يا سفلة ، فقال : إن كنت منهم فأنت طالق ; فحكى النقاش أن رجلا جاء إلى الترمذي فقال : إن امرأتي قالت لي يا سفلة ، فقلت : إن كنت سفلة فأنت طالق ; قال الترمذي : ما صناعتك ؟ قال : سماك ; قال : سفلة والله ، سفلة والله سفلة . قلت : وعلى ما ذكره ابن المبارك عن سفيان لا تطلق ، وكذلك على قول مالك ، وابن الأعرابي لا يلزمه شيء .
بادي الرأي أي ظاهر الرأي ، وباطنهم على خلاف ذلك . يقال : بدا يبدو . إذا ظهر ; كما قال :
فاليوم حين بدون للنظار
ويقال للبرية بادية لظهورها . وبدا لي أن أفعل كذا ، أي ظهر لي رأي غير الأول . وقال الأزهري : معناه فيما يبدو لنا من الرأي . ويجوز أن يكون بادي الرأي من بدأ يبدأ وحذف الهمزة . وحقق أبو عمرو الهمزة فقرأ : " بادئ الرأي " أي أول الرأي ; أي اتبعوك حين ابتدءوا ينظرون ، ولو أمعنوا النظر والفكر لم يتبعوك ; ولا يختلف المعنى هاهنا بالهمز وترك الهمز . وانتصب على حذف " في " كما قال - عز وجل - : واختار موسى قومه .
وما نرى لكم علينا من فضل أي في اتباعه ; وهذا جحد منهم لنبوته - صلى الله عليه وسلم -
بل نظنكم كاذبين الخطاب لنوح ومن آمن معه .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features