بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)

( بأي ذنب قتلت ) قرأ العامة على الفعل المجهول فيهما ، وأبو جعفر يقرأ : " قتلت " بالتشديد ومعناه تسأل الموءودة ، فيقال لها : بأي ذنب قتلت ؟ ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها ، لأنها تقول : قتلت بغير ذنب .
وروي أن جابر بن زيد كان يقرأ : وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ومثله قرأ أبو الضحى .
بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)

فيوم القيامة تسئل الموءودة على أي ذنب قتلت ليكون ذلك تهديدا لقاتلها فإنه إذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذا ؟.
بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)

وقوله تعالى : سئلت سؤال الموؤودة سؤال توبيخ لقاتلها ، كما يقال للطفل إذا ضرب : لم ضربت ؟ وما ذنبك ؟ قال الحسن : أراد الله أن يوبخ قاتلها ; لأنها قتلت بغير ذنب . وقال ابن أسلم : بأي ذنب ضربت ، وكانوا يضربونها . وذكر بعض أهل العلم في قوله تعالى : سئلت قال : طلبت ; كأنه يريد كما يطلب بدم القتيل . قال : وهو كقوله : وكان عهد الله مسئولا أي مطلوبا . فكأنها طلبت منهم ، فقيل أين أولادكم ؟ وقرأ الضحاك وأبو الضحى عن جابر بن زيد وأبي صالح ( وإذا الموؤدة سئلت ) فتتعلق الجارية بأبيها ، فتقول : بأي ذنب قتلتني ؟ ! فلا يكون له عذر ; قاله ابن عباس وكان يقرأ ( وإذا الموؤدة سألت ) وكذلك هو في مصحف أبي .
وروى عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقا ولدها بثدييها ، ملطخا بدمائه ، فيقول يا رب ، هذه أمي ، وهذه قتلتني " . والقول الأول عليه الجمهور ، وهو مثل قوله تعالى لعيسى : أأنت قلت للناس ، على جهة التوبيخ والتبكيت لهم ، فكذلك سؤال الموؤودة توبيخ لوائدها ، وهو أبلغ من سؤالها عن قتلها ; لأن هذا مما لا يصح إلا بذنب ، فبأي ذنب كان ذلك ، فإذا ظهر أنه لا ذنب لها ، كان أعظم في البلية وظهور الحجة على قاتلها . والله أعلم . وقرئ ( قتلت ) بالتشديد ، وفيه دليل بين على أن أطفال المشركين لا يعذبون ، وعلى أن التعذيب لا يستحق إلا بذنب .
بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)

وقوله : ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأه أبو الضحى مسلم بن صبيح ( وإذا الموءودة سألت بأي ذنب قتلت ) بمعنى : سألت الموءودة الوائدين : بأي ذنب قتلوها .
ذكر الرواية بذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، في قوله : ( وإذا الموءودة سألت ) قال : طلبت بدمائها .
حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن الأعمش ، قال : قال أبو الضحى ( وإذا الموءودة سألت ) قال : سألت قتلتها . [ ص: 247 ]
ولو قرأ قارئ ممن قرأ ( سألت بأي ذنب قتلت ) كان له وجه ، وكان يكون معنى ذلك من قرأ ( بأي ذنب قتلت ) غير أنه إذا كان حكاية جاز فيه الوجهان ، كما يقال : قال عبد الله : بأي ذنب ضرب; كما قال عنترة :
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما والناذرين إذا لقيتهما دمي
وذلك أنهما كانا يقولان : إذا لقينا عنترة لنقتلنه ، فحكى عنترة قولهما في شعره; وكذلك قول الآخر :
رجلان من ضبة أخبرانا إنا رأينا رجلا عريانا
بمعنى : أخبرانا أنهما ، ولكنه جرى الكلام على مذهب الحكاية . وقرأ ذلك بعض عامة قراء الأمصار : ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) بمعنى : سئلت الموءودة بأي ذنب قتلت ، ومعنى قتلت : قتلت غير أن ذلك رد إلى الخبر على وجه الحكاية على نحو القول الماضي قبل ، وقد يتوجه معنى ذلك إلى أن يكون : وإذا الموءودة سألت قتلتها ووائديها ، بأي ذنب قتلوها ؟ ثم رد ذلك إلى ما لم يسم فاعله ، فقيل : بأي ذنب قتلت . [ ص: 248 ]
وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب قراءة من قرأ ذلك ( سئلت ) بضم السين ( بأي ذنب قتلت ) على وجه الخبر ، لإجماع الحجة من القراء عليه . والموءودة : المدفونة حية ، وكذلك كانت العرب تفعل ببناتها; ومنه قول الفرزدق بن غالب :
ومنا الذي أحيا الوئيد وغائب وعمرو ، ومنا حاملون ودافع
يقال : وأده فهو يئده وأدا ، ووأدة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإذا الموءودة سئلت ) هي في بعض القراءات : ( سألت بأي ذنب قتلت ) لا بذنب ، كان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ، ويغذو كلبه ، فعاب الله ذلك عليهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية ، قال : " فأعتق عن كل واحدة بدنة " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خثيم ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) قال : كانت العرب من أفعل الناس لذلك .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن ربيع بن خثيم بمثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( وإذا الموءودة سئلت ) قال : البنات التي كانت طوائف العرب يقتلونهن ، وقرأ : [ ص: 249 ] ( بأي ذنب قتلت ) .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features