لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)

يقول تعالى ذكره: لقد أرسلنا رسلنا بالمفصَّلات من البيان والدلائل، وأنـزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع، والميزان بالعدل.
كما حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ) قال: الميزان: العدل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنـزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ) بالحق (1) ؛ قال: الميزان: ما يعمل الناس، ويتعاطون عليه في الدنيا من معايشهم التي يأخذون ويعطون، يأخذون بميزان، ويعطون بميزان، يعرف ما يأخذ وما يعطي. قال: والكتاب فيه دين الناس الذي يعملون ويتركون، فالكتاب للآخرة، والميزان للدنيا.
وقوله: (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) يقول تعالى ذكره: ليعمل الناس بينهم بالعدل.
وقوله: (وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) يقول تعالى ذكره: وأنـزلنا لهم الحديد فيه بأس شديد، يقول: فيه قوّة شديدة، ومنافع للناس، وذلك ما ينتفعون به منه عند لقائهم العدوّ، وغير ذلك من منافعه.
وقد حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن علباء بن أحمر، عن عكرِمة عن ابن عباس، قال: ثلاثة أشياء نـزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) قال: البأس الشديد: السيوف والسلاح الذي يقاتل الناس بها، (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) بعد، يحفرون بها الأرض والجبال وغير ذلك.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد: قوله: (وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) وجنُة وسلاح، وأنـزله ليعلم الله من ينصره.
وقوله: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ) يقول تعالى ذكره: أرسلنا رسلنا إلى خلقنا وأنـزلنا معهم هذه الأشياء ليعدلوا بينهم، وليعلم حزب الله من ينصر دين الله ورسله بالغيب منه عنهم.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الله قويّ على الانتصار ممن بارزه بالمعاداة، وخالف أمره ونهيه، عزيز في انتقامه منهم، لا يقدر أحد على الانتصار منه مما أحلّ به من العقوبة.
------------------------
الهوامش:
(1) ‌لعله والميزان، والميزان بالحق
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)

يقول تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ } وهي الأدلة والشواهد والعلامات الدالة على صدق ما جاءوا به وحقيته.
{ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ } وهو اسم جنس يشمل سائر الكتب التي أنزلها الله لهداية الخلق وإرشادهم، إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، { وَالْمِيزَانَ } وهو العدل في الأقوال والأفعال، والدين الذي جاءت به الرسل، كله عدل وقسط في الأوامر والنواهي وفي معاملات الخلق، وفي الجنايات والقصاص والحدود [والمواريث وغير ذلك]، وذلك { لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } قياما بدين الله، وتحصيلا لمصالحهم التي لا يمكن حصرها وعدها، وهذا دليل على أن الرسل متفقون في قاعدة الشرع، وهو القيام بالقسط، وإن اختلفت أنواع العدل، بحسب الأزمنة والأحوال، { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } من آلات الحرب، كالسلاح والدروع وغير ذلك.
{ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } وهو ما يشاهد من نفعه في أنواع الصناعات والحرف، والأواني وآلات الحرث، حتى إنه قل أن يوجد شيء إلا وهو يحتاج إلى الحديد.
{ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ } أي: ليقيم تعالى سوق الامتحان بما أنزله من الكتاب والحديد، فيتبين من ينصره وينصر رسله في حال الغيب، التي ينفع فيها الإيمان قبل الشهادة، التي لا فائدة بوجود الإيمان فيها، لأنه حينئذ يكون ضروريا.
{ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي: لا يعجزه شيء، ولا يفوته هارب، ومن قوته وعزته أن أنزل الحديد الذي منه الآلات القوية، ومن قوته وعزته أنه قادر على الانتصار من أعدائه، ولكنه يبتلي أولياءه بأعدائه، ليعلم من ينصره بالغيب، وقرن تعالى في هذا الموضع بين الكتاب والحديد، لأن بهذين الأمرين ينصر الله دينه، ويعلي كلمته بالكتاب الذي فيه الحجة والبرهان والسيف الناصر بإذن الله، وكلاهما قيامه بالعدل والقسط، الذي يستدل به على حكمة الباري وكماله، وكمال شريعته التي شرعها على ألسنة رسله.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features