كَلَّا ۖ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ (39)

وقوله: (كَلا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) يقول عزّ وجلّ: ليس الأمر كما يطمع فيه هؤلاء الكفار من أن يدخل كل امرئ منهم جنة نعيم.
وقوله: (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) يقول جلّ وعزّ: أنا خلقناهم من منيّ قذر، وإنما يستوجب دخول الجنة من يستوجبه منهم بالطاعة، لا بأنه مخلوق، فكيف يطمعون في دخول الجنة وهم عصاة كفرة.
وقد حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) إنما خُلقتَ من قَذرٍ يا ابن آدم، فاتق الله.
كَلَّا ۖ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ (39)

قال: { كلَّا } [أي:] ليس الأمر بأمانيهم ولا إدراك ما يشتهون بقوتهم.
{ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ } أي: من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب، فهم ضعفاء، لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
كَلَّا ۖ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ (39)

( كلا ) لا يدخلونها . ثم ابتدأ فقال : ( إنا خلقناهم مما يعلمون ) أي : من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ، نبه الناس على أنهم خلقوا من أصل واحد وإنما يتفاضلون ويستوجبون الجنة بالإيمان والطاعة .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه ، حدثنا موسى بن محمد بن علي ، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا صفوان بن صالح ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا جرير بن عثمان الرحبي ، عن عبد الرحمن بن ميسرة ، عن جبير بن نفير ، عن بسر بن جحاش [ القرشي ] قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وبصق يوما في كفه ووضع عليها إصبعه فقال : يقول الله - عز وجل - : " ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سويتك وعدلتك ومشيت بين بردين ، وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة "
وقيل : معناه إنا خلقناهم [ من أجل ما يعملون وهو الأمر والنهي والثواب والعقاب .
وقيل : " ما " بمعنى " من " مجازه : إنا ] خلقناهم ممن يعلمون ويعقلون لا كالبهائم .
كَلَّا ۖ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ (39)

" كلا " لا يدخلونها .
ثم ابتدأ فقال : إنا خلقناهم مما يعلمون أي إنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ; كما خلق سائر جنسهم . فليس لهم فضل يستوجبون به الجنة ، وإنما تستوجب بالإيمان والعمل الصالح ورحمة الله تعالى . وقيل : كانوا يستهزئون بفقراء المسلمين ويتكبرون عليهم . فقال : إنا خلقناهم مما يعلمون من القذر ، فلا يليق بهم هذا التكبر . وقال قتادة في هذه الآية : إنما خلقت يا ابن آدم من قذر فاتق الله . وروي أن مطرف بن عبد الله بن الشخير رأى المهلب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف خز وجبة خز فقال له : يا عبد الله ، ما هذه المشية التي يبغضها الله ؟ فقال له : أتعرفني ؟ قال : نعم ، أولك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة . فمضى المهلب وترك مشيته . نظم الكلام محمود الوراق فقال :
عجبت من معجب بصورته وكان في الأصل نطفة مذره
وهو غدا بعد حسن صورته يصير في اللحد جيفة قذره
وهو على تيهه ونخوته ما بين ثوبيه يحمل العذره
وقال آخر :
هل في ابن آدم غير الرأس مكرمة وهو بخمس من الأوساخ مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك والعين مرمصة والثغر ملهوب
يا ابن التراب ومأكول التراب غدا قصر فإنك مأكول ومشروب
وقيل : معناه من أجل ما يعلمون ; وهو الأمر والنهي والثواب والعقاب . كقول الشاعر وهو الأعشى :
أأزمعت من آل ليلى ابتكارا وشطت على ذي هوى أن تزارا
أي من أجل ليلى .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features