يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله (قُوا أَنْفُسَكُمْ ) يقول: علموا بعضكم بعضا ما تقون به من تعلمونه النار، وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله، واعملوا بطاعة الله.
وقوله: (وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) يقول: وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به. أنفسهم من النار.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن رجل، عن عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه في قوله: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) قال: علِّموهم، وأدّبوهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن رجل، عن عليّ(قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) يقول: أدّبوهم، علموهم
حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا سعيد بن خثيم، عن محمد بن خالد الضبيِّ، عن الحكم، عن عليّ بمثله.
حدثني عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) يقول: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر ينْجيكم الله من النار.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) قال: اتقوا الله، وأوصوا أهليكم بتقوى الله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) قال: قال يقيهم أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليه بأمر الله يأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) قال: مروهم بطاعة الله، وأنهوهم عن معصيته.
وقوله: (وَقُودُهَا النَّاسُ ) يقول: حطبها الذي يوقد على هذه النار بنو آدم وحجارة الكبريت.
وقوله: (عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ ) يقول: على هذه النار ملائكة من ملائكة الله، غلاظ على أهل النار، شداد عليهم (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ) يقول: لا يخالفون الله في أمره الذي يأمرهم به (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) يقول: وينتهون إلى ما يأمرهم به ربهم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)

قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون
فيه مسألة واحدة :
وهي الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار . قال الضحاك : معناه قوا أنفسكم ، وأهلوكم فليقوا أنفسهم نارا . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم الله بكم . وقال علي رضي الله عنه وقتادة ومجاهد : قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم . ابن العربي : وهو الصحيح ، والفقه الذي يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل ; كقوله :
علفتها تبنا وماء باردا
وكقوله :
ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة ، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية . ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم " . وعن هذا عبر الحسن في هذه الآية بقوله : يأمرهم وينهاهم . وقال بعض العلماء لما قال : قوا أنفسكم دخل فيه الأولاد ; لأن الولد بعض منه . كما دخل في قوله تعالى : ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات . فيعلمه الحلال والحرام ، ويجنبه المعاصي والآثام ، إلى غير ذلك من الأحكام . وقال عليه السلام : حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ . وقال عليه السلام : " ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن " . وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع " . خرجه جماعة من أهل الحديث . وهذا لفظ أبي داود . وخرج أيضا عن سمرة بن جندب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " . وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب ; مستندا في ذلك إلى رؤية الهلال . وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول : " قومي فأوتري يا عائشة " . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رحم الله امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله ، فإن لم تقم رش وجهها بالماء ، رحم الله امرأة قامت من الليل تصلي وأيقظت زوجها ، فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء " . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " أيقظوا صواحب الحجر " . ويدخل هذا في عموم قوله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى . وذكر القشيري أن عمر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية : يا رسول الله ، نقي أنفسنا ، فكيف لنا بأهلينا ؟ . فقال : " تنهونهم عما نهاكم الله وتأمرونهم بما أمر الله " . وقال مقاتل : ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه . قال الكيا : فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير ، وما لا يستغنى عنه من الأدب . وهو قوله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها . ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : وأنذر عشيرتك الأقربين . . وفي الحديث : " مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع " .
وقودها الناس والحجارة تقدم في سورة " البقرة " .
عليها ملائكة غلاظ شداد يعني الملائكة الزبانية غلاظ القلوب لا يرحمون إذا استرحموا ، خلقوا من الغضب ، وحبب إليهم عذاب الخلق كما حبب لبني آدم أكل الطعام والشراب . شداد أي شداد الأبدان . وقيل : غلاظ الأقوال شداد الأفعال . وقيل غلاظ في أخذهم أهل النار شداد عليهم . يقال : فلان شديد على فلان ; أي قوي عليه يعذبه بأنواع العذاب . وقيل : أراد بالغلاظ ضخامة أجسامهم ، وبالشدة القوة . قال ابن عباس : ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة ، وقوة الواحد منهم أن يضرب بالمقمع فيدفع بتلك الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم . وذكر ابن وهب قال : وحدثنا عبد الرحمن بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خزنة جهنم : " ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب " .
قوله تعالى : لا يعصون الله ما أمرهم أي لا يخالفونه في أمره من زيادة أو نقصان .
ويفعلون ما يؤمرون أي في وقته ، فلا يؤخرونه ولا يقدمونه . وقيل أي لذتهم في امتثال أمر الله ; كما أن سرور أهل الجنة في الكون في الجنة ; ذكره بعض المعتزلة . وعندهم أنه يستحيل التكليف غدا . ولا يخفى معتقد أهل الحق في أن الله يكلف العبد اليوم وغدا ، ولا ينكر التكليف في حق الملائكة . ولله أن يفعل ما يشاء .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features