إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)
يقول تعالى ذكره: إن الذين يكفون رفع أصواتهم عند رسول الله, وأصل الغضّ: الكفّ في لين. ومنه: غضّ البصر, وهو كفه عن النظر, كما قال جرير:
فَغُــضَّ الطَّـرْفَ إنَّـكَ مِـنْ نُمَـيْر
فَــلا كَعْبــا بَلَغــتَ وَلا كِلابــا (3)
وقوله ( أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله, هم الذين اختبر الله قلوبهم بامتحانه إياها, فاصطفاها وأخلصها للتقوى, يعني لاتقائه بأداء طاعته, واجتناب معاصيه, كما يمتحن الذهب بالنار, فيخلص جيدها, ويبطل خبثها (4) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) قال: أخلص.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) قال: أخلص الله قلوبهم فيما أحبّ.
وقوله ( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) يقول: لهم من الله عفو عن ذنوبهم السالفة, وصفح منه عنها لهم ( وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ) يقول: وثواب جزيل, وهو الجنة.
------------------------
الهوامش:
(3) البيت لجرير بن الخطفي ، من قصيدة يهجو بها الراعي النميري الشاعر . ( ديوانه 64 ) يقول له . غض نظرك أي كف بصرك ذلا ومهانة . وهذا موضع الشاهد عند قوله تعالى " يغضون أصواتهم عند رسول الله " وهو من ذلك . قال في " اللسان : غض " : وغض طرفه وبصره ، يغضه غضا وغضاضا ( ككتاب ) وغضاضة ( كسحابة ) فهو مغضوض وغضيض " كفه وخفضه وكسره ، وقيل : هو إذا دانى بين جفونه ونظر . وقيل : الغضيض : الطرف المسترخي الأجفان . وفي الحديث " كان إذا فرح غض طرفه " ، أي كسره وأطرق ، ولم يفتح عينيه . وإنما كان يفعل ذلك ، ليكون أبعد من الأشر والمرح . أ هـ . وكعب وكلاب : حيان من تميم .
(4) الضمير في جيدها وخبثها : راجع إلى الذهب ، لأنها مؤنثة ، وقد تذكر .
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)

قوله تعالى : إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم
قوله تعالى : إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أي يخفضون أصواتهم عنده إذا تكلموا إجلالا له ، أو كلموا غيره بين يديه إجلالا له . قال أبو هريرة : لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم قال أبو بكر - رضي الله عنه - : والله لا أرفع صوتي إلا كأخي السرار . وذكر سنيد قال : حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال : لما نزلت : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله قال أبو بكر : والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعد هذا إلا كأخي السرار . وقال عبد الله بن الزبير : لما نزلت : لا ترفعوا أصواتكم ما حدث عمر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك فسمع كلامه حتى يستفهمه مما يخفض ، فنزلت : إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى . قال الفراء : أي : أخلصها للتقوى . وقال الأخفش : أي : اختصها للتقوى . وقال ابن عباس : امتحن الله قلوبهم للتقوى طهرهم من كل قبيح ، وجعل في قلوبهم الخوف من الله والتقوى . وقال عمر - رضي الله عنه - : أذهب عن قلوبهم الشهوات . والامتحان : افتعال من محنت الأديم محنا حتى أوسعته . فمعنى امتحن الله قلوبهم للتقوى وسعها وشرحها للتقوى . وعلى الأقوال المتقدمة : امتحن قلوبهم فأخلصها ، كقولك : امتحنت الفضة أي : اختبرتها حتى خلصت . ففي الكلام حذف يدل عليه الكلام ، وهو الإخلاص . وقال أبو عمرو : كل شيء جهدته فقد محنته . وأنشد :
أتت رذايا باديا كلالها قد محنت واضطربت آطالها
لهم مغفرة وأجر عظيم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features