ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)

وقوله: ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) يقول: ثم ليسألنكم الله عزّ وجلّ عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا: ماذا عملتم فيه، من أين وصلتم إليه، وفيم أصبتموه، وماذا عملتم به.
واختلف أهل التأويل في ذلك النعيم ما هو؟ فقال بعضهم: هو الأمن والصحة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عباد بن يعقوب، قال. ثنا محمد بن سليمان، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبيّ، عن ابن مسعود، في قوله: ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال: الأمن والصحة.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا حفص، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبيّ، عن عبد الله، مثله.
حدثني علي بن سعيد الكنديّ، قال: ثنا محمد بن مروان، عن ليث، عن مجاهد ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال: الأمن والصحة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم. قال: ثنا سفيان، قال: بلغني في قوله: ( لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال: الأمن والصحة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبد الله، قال: سمعت الشعبيّ يقول: النعيم المسئول عنه يوم القيامة: الأمن والصحة.
قال: ثنا مهران، عن خالد الزيات، عن ابن أبي ليلى، عن عامر الشعبيّ، عن ابن مسعود، مثله.
قال: ثنا مهران، عن سفيان ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال: الأمن والصحة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم لَيُسْئَلُنّ يومئذ عما أنعم الله به عليهم مما وهب لهم من السمع والبصر وصحة البدن.
* ذكر من قال ذلك.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال: النعيم: صحة الأبدان والأسماع والأبصار، قال: يسأل الله العباد فيم استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا .
حدثني إسماعيل بن موسى الفَزاريُّ، قال: أخبرنا عمر بن شاكر، عن الحسن قال: كان يقول في قوله: ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال: السمع والبصر، وصحة البدن.
وقال آخرون: هو العافية.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عباد بن يعقوب، قال: ثنا نوح بن درّاج، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال: العافية.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: بعض ما يطعمه الإنسان، أو يشربه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن بكير بن عتيق، قال: رأيت سعيد بن جُبَير أُبِيَ بشربة عسل، فشربها، وقال: هذا النعيم الذي تُسألون عنه.
حدثني عليّ بن سهل الرملي، قال: ثنا الحسن بن بلال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عَمَّار (2) بن أبي عمار، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: أتانا النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمرُ رضي الله عنهما، فأطعمناهم رطبا، وسقيناهم ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هَذَا مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسألون عَنْهُ" .
حدثنا جابر بن الكرديّ، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: أتانا النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه.
حدثني الحسن بن عليّ الصُدائي، قال: ثنا الوليد بن القاسم، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: بينما أبو بكر وعمر رضى الله عنهما جالسان، إذ جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: " ما أجْلَسَكُما ها هُنا؟" قالا الجوع، قال: " وَالَّذِي بَعَثَنِي بالْحَقّ ما أخْرَجَنِي غَيرُهُ"، فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار، فاستقبلتهم المرأة، فقال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أيْنَ فُلانُ؟" فقالت: ذهب يستعذب لنا ماء، فجاء صاحبهم يحمل قربته، فقال: مرحبا، ما زار العباد شيء أفضل من شيء زارني اليوم، فعلق قربته بكَرَب نخلة، وانطلق فجاءهم بعِذْق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا كُنْتَ اجْتَنَيْتَ؟" فقال: أحببت أن &; 24-584 &; تكونوا الذين تختارون على أعينكم، ثم أخذ الشفرة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إيَّاكَ والْحَلُوبَ"، فذبح لهم يومئذ، فأكلوا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا يَوْمَ القِيامَةِ، أخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الجُوعُ، فَلَمْ تَرْجِعُوا حتى أصَبْتُمْ هَذَا، فَهَذَا مِنَ النَّعِيمِ" .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يحيى بن أبي بكير، قال ثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن عبد الملك بن عُمَير، عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: " انْطَلِقُوا بِنا إلى أبي الهَيْثَم بنِ التَّيَّهانِ الأنْصَارِيّ"، فانطلق بهم إلى ظلّ حديقته، فبسط لهم بساطا، ثم انطلق إلى نخلة، فجاء بِقِنْوٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فَهَلا تَنَقَّيْتَ لَنا مِنْ رُطَبِهِ؟" فقال: أردت أن تَخَيَّرُوا من رطبه وبُسره، فأكلوا وشربول من الماء؛ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيدهِ مِنَ النَّعِيمِ، الَّذِي أنْتُمْ فِيهِ مَسْئُولُونَ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ، هَذَا الظِّلُّ البارِدُ، والرُّطَبُ البارِدُ، عَلَيْهِ الماءُ البارِدُ" .
حدثني صالح بن مسمار المروزي، قال: ثنا آدم بن أبي إياس، قال: ثنا شيبان، قال: ثنا عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه، إلا أنه قال في حديثه: " ظِلٌّ بارِدٌ، ورُطَبٌ بارِدٌ، وَماءٌ بارِدٌ" .
حدثنا عليّ بن عيسى البزاز، قال: ثنا سعيد بن سليمان، عن حشرج بن نباتة، قال: ثنا أبو بصيرة عن أبي عسيب، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطا لبعض الأنصار، فقال لصاحب الحائط: " أطْعِمْنا بُسْرًا "، فجاء بعذق فوضعه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم دعا بماء بارد فشرب، فقال: " لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا يَوْمَ القِيامَةِ"، فأخذ عمر العذق، فضرب به الأرض حتى تناثر البسر، ثم قال: يا رسول الله، إنا لمسئولون عن هذا؟ قال: " نَعَمْ، إلا مِنْ كِسْرَةٍ يُسَدُّ بِها جَوْعَةٌ، أوْ حُجْرٌ يُدْخَلُ فِيه مِنَ الحَرِّ والقَرِّ" .
حدثني سعيد بن عمرو السكونيّ، قال: ثنا بقية، عن حشرج بن نباتة، قال: حدثني أبو بصيرة، عن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: مرّ بي النبيّ صلى الله عليه وسلم، فدعاني وخرجت ومعه أبو بكر وعمر رضى الله عنهما ، فدخل حائطا لبعض الأنصار، فأُتِيَ بِبُسْرِ عِذْق منه، فوُضِع بين يديه، فأكل هو وأصحابه، ثم دعا بما بارد، فشرب، ثم قال: " لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا يَوْمَ القِيامَةِ"، فقال عمر: عن هذا يوم القيامة؟ فقال: " نَعَمْ، إلا مِنْ ثَلاثَةٍ: خِرْقَةٍ كَفَّ بِها عَوْرَتَهُ، أو كِسْرَةٍ سَدُّ بِها جَوْعَتَةُ، أوْ جُحْرٍ يَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الحَرِّ والقَرّ" .
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلية، عن الجريريّ، عن أبي بصيرة، قال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وناس من أصحابه أكلة من خبز شعير لم يُنْخَل، بلحم سمين، ثم شربوا من جدول، فقال: " هذا كله من النعيم الذي تُسْأَلُونَ عنه يوم القيامة " .
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا محمد بن عمرو، عن صفوان بن سليم، عن محمد بن محمود بن لبيد، قال: " لما نـزلت (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) فقرأها حتى بلغ: ( لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قالوا: يا رسول الله، عن أيّ النعيم نسأل ، وإنما هو الأسودان: الماء، والتمر، وسيوفنا على عواتقنا، والعدوّ حاضر! قال: " إن ذلكَ سَيَكُونُ" .
حدثني يعقوب بن إبراهيم والحسين بن عليّ الصدائي، قالا ثنا شبابة بن سوّار، قال: ثني عبد الله بن العلاء أبو رَزِين الشامي، قال: ثنا الضحاك بن عَرْزَم، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ أولَ ما يُسْأَلُ عَنْهُ العَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ أنْ يُقَالَ لَهُ: ألَم نُصِحَّ لَك جِسْمَكَ، وَتُروَ مِنَ الماءِ البارِدِ" ؟.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا ليث، عن مجاهد، قال: قال أبو معمر عبد الله بن سخبرة: ما أصبح أحد بالكوفة إلا ناعماً، إن أهونهم عيشا الذي يأكل خبز البرّ، ويشرب ماء الفرات، ويستظلّ من الظلّ، وذلك من النعيم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الرحمن بن الحارث التميميّ، عن ثابت البناني، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " النَّعِيم: المَسْئُولُ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ: كِسْرَةٌ تُقَوّيهِ، وَماءٌ يُرْوِيهِ، وَثَوْبٌ يُوَارِيهِ" .
قال: ثنا مهران، عن إسماعيل بن عياش، عن بشر بن عبد الله بن بشار، قال: سمعت بعض أهل يمن يقول: سمعت أبا أُمامة يقول: النعيم المسئول عنه يوم القيامة: خبز البرّ، والماء العذب.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن بكير بن عتيق العامري، قال: أُتِيَ سعيد بن جُبير بشَربة عسل، فقال: أما إن هذا النعيم الذي نسأل عنه يوم القيامة ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن بكير بن عتيق، عن سعيد بن جُبير، أنه أتي بشربة عسل، فقال: هذا من النعيم الذي تُسألون عنه.
وقال آخرون: ذلك كلّ ما التذّه الإنسان في الدنيا من شيء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال: عن كل شيء من لذّة الدنيا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) إن الله عزّ وجل سائل كلّ عبد عما استودعه من نِعَمه وحقه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال: إن الله تعالى ذكره سائل كلّ ذي نعمة فيما أنعم عليه.
وكان الحسن وقتادة يقولان: ثلاث لا يُسأَل عنهنّ ابن آدم، وما خلاهنّ فيه المسألة والحساب إلا ما شاء الله: كسوة يواري بها سوْأته، وكسرة يشدّ بها صلبه، وبيت يظله.
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله أخبر أنه سائل هؤلاء القوم عن النعيم، ولم يخصص في خبره أنه سائلهم عن نوع من النعيم دون نوع، بل عمّ بالخبر في ذلك عن الجميع، فهو سائلهم كما قال عن جميع النعيم، لا عن بعض دون بعض.
آخر تفسير سورة ألهاكم
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)

قوله تعالى : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم
قوله تعالى : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ; فقال : " ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ) ؟ قالا : الجوع يا رسول الله . قال : " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما قوما " فقاما معه ; فأتى رجلا من الأنصار ، فإذا هو ليس في بيته ، فلما رأته المرأة قالت : مرحبا وأهلا . فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أين فلان " ؟ قالت : يستعذب لنا من الماء ; إذ جاء الأنصاري ، فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه ، ثم قال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني . قال : فانطلق ، فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب ، فقال : كلوا من هذه . وأخذ المدية فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إياك والحلوب " فذبح لهم ، فأكلوا من الشاة ، ومن ذلك العذق ، وشربوا ; فلما أن شبعوا ورووا ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر : " والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم ، يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم " . خرجه الترمذي ، وقال فيه : " هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة : ظل بارد ، ورطب طيب ، وماء بارد " وكنى الرجل الذي من الأنصار ، فقال : أبو الهيثم بن التيهان . وذكر قصته .
قلت : اسم هذا الرجل الأنصاري مالك بن التيهان ، ويكنى أبا الهيثم . وفي هذه القصة يقول عبد الله بن رواحة ، يمدح بها أبا الهيثم بن التيهان :
فلم أر كالإسلام عزا لأمة ولا مثل أضياف الإراشي معشرا نبي وصديق وفاروق أمة
وخير بني حواء فرعا وعنصرا فوافوا لميقات وقدر قضية
وكان قضاء الله قدرا مقدرا إلى رجل نجد يباري بجوده
شموس الضحى جودا ومجدا ومفخرا وفارس خلق الله في كل غارة
إذا لبس القوم الحديد المسمرا ففدى وحيا ثم أدنى قراهم
فلم يقرهم إلا سمينا متمرا
وقد ذكر أبو نعيم الحافظ ، عن أبي عسيب مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلا ، فخرجت إليه ، ثم مر بأبي بكر فدعاه ، فخرج إليه ، ثم مر بعمر فدعاه ، فخرج إليه ، فانطلق حتى دخل حائطا لبعض الأنصار ، فقال لصاحب الحائط : " أطعمنا بسرا " فجاء بعذق ، فوضعه فأكلوا ، ثم دعا بماء فشرب ، فقال : " لتسألن عن هذا يوم القيامة " قال : وأخذ عمر العذق ، فضرب به الأرض حتى تناثر البسر نحو وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا رسول الله ، إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال : " نعم إلا من ثلاث : كسرة يسد بها جوعته ، أو ثوب يستر به عورته ، أو حجر يأوي فيه من الحر والقر " .
واختلف أهل التأويل في النعيم المسئول عنه على عشرة أقوال :
أحدها : الأمن والصحة ; قاله ابن مسعود .
الثاني : الصحة والفراغ ; قاله سعيد بن جبير . وفي البخاري عنه - عليه السلام - : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ .
الثالث : الإدراك بحواس السمع والبصر ; قاله ابن عباس . وفي التنزيل : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا . وفي الصحيح عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يؤتى بالعبد يوم القيامة ، فيقول له : ألم أجعل لك سمعا وبصرا ، ومالا وولدا . . . " ، الحديث . خرجه الترمذي وقال فيه : حديث حسن صحيح .
الرابع : ملاذ المأكول والمشروب قاله جابر بن عبد الله الأنصاري . وحديث أبي هريرة يدل عليه .
الخامس : أنه الغداء والعشاء ; قاله الحسن .
السادس : قول مكحول الشامي : أنه شبع البطون وبارد الشراب ، وظلال المساكن ، واعتدال الخلق ; ولذة النوم . ورواه زيد بن أسلم عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لتسألن يومئذ عن النعيم يعني عن شبع البطون . . . " . فذكره . ذكره الماوردي ، وقال : وهذا السؤال يعم الكافر والمؤمن ، إلا أن سؤال المؤمن تبشير بأن يجمع له بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة . وسؤال الكافر تقريع أن قابل نعيم الدنيا بالكفر والمعصية . وقال قوم : هذا السؤال عن كل نعمة ، إنما يكون في حق الكفار ، فقد روي أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال : يا رسول الله ، أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التيهان ، من خبز شعير ولحم وبسر قد ذنب ، وماء عذب ، أتخاف علينا أن يكون هذا من النعيم الذي نسأل عنه ؟ فقال - عليه السلام - : " ذلك للكفار ; ثم قرأ : وهل نجازي إلا الكفور " . ذكره القشيري أبو نصر . وقال الحسن لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار . وقال القشيري : والجمع بين الأخبار : أن الكل يسألون ولكن سؤال الكفار توبيخ ; لأنه قد ترك الشكر . وسؤال المؤمن سؤال تشريف ; لأنه شكر . وهذا النعيم في كل نعمة .
قلت : هذا القول حسن ; لأن اللفظ يعم . وقد ذكر الفريابي قال : حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله تعالى : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قال : كل شيء من لذة الدنيا . وروى أبو الأحوص عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله تعالى ليعدد نعمه على العبد يوم القيامة ، حتى يعد عليه : سألتني فلانة أن أزوجكها ، فيسميها باسمها ، فزوجتكها " . وفي الترمذي عن أبي هريرة قال : لما نزلت هذه الآية : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قال الناس : يا رسول الله ، عن أي النعيم نسأل ؟ فإنما هما الأسودان والعدو حاضر ، وسيوفنا على عواتقنا . قال : " إن ذلك سيكون " . وعنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة - يعني العبد - أن يقال له : ألم نصح لك جسمك ، ونرويك من الماء البارد " قال : حديث ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده ، فيوقفه بين يديه ، فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله " . والجاه من نعيم الدنيا لا محالة . وقال مالك - رحمه الله - : إنه صحة البدن ، وطيب النفس . وهو القول السابع . وقيل : النوم مع الأمن والعافية . وقال سفيان بن عيينة : إن ما سد الجوع وستر العورة من خشن الطعام واللباس ، لا يسأل عنه المرء يوم القيامة ، وإنما يسأل عن النعيم . قال : والدليل عليه أن الله تعالى أسكن آدم الجنة . فقال له : إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى . فكانت هذه الأشياء الأربعة - ما يسد به الجوع ، وما يدفع به العطش ، وما يستكن فيه من الحر ، ويستر به عورته - لآدم - عليه السلام - بالإطلاق ، لا حساب عليه فيها لأنه لا بد له منها .
قلت : ونحو هذا ذكره القشيري أبو نصر ، قال : إن مما لا يسأل عنه العبد لباسا يواري سوأته ، وطعاما يقيم صلبه ، ومكانا يكنه من الحر والبرد .
قلت : وهذا منتزع من قوله - عليه السلام - : " ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال : بيت يسكنه ، وثوب يواري عورته ، وجلف الخبز والماء " خرجه الترمذي . وقال النضر بن شميل : جلف الخبز : ليس معه إدام . وقال محمد بن كعب : النعيم : هو ما أنعم الله علينا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - . وفي التنزيل : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم . وقال الحسن أيضا والمفضل : هو تخفيف الشرائع ، وتيسير القرآن ، قال الله تعالى : وما جعل عليكم في الدين من حرج ، وقال تعالى : ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر .
قلت : وكل هذه نعم ، فيسأل العبد عنها : هل شكر ذلك أم كفر . والأقوال المتقدمة أظهر والله أعلم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features