إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) في الدين ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله وحكم رسوله. ومعنى الأخوين في هذا الموضع: كل مقتتلين من أهل الإيمان, وبالتثنية قرأ ذلك قرّاء الأمصار. وذُكر عن ابن سيرين أنه قرأ بين إخوانكم بالنون على مذهب الجمع, وذلك من جهة العربية صحيح, غير أنه خلاف لما عليه قرّاء الأمصار, فلا أحب القراءة بها( وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: وخافوا الله أيها الناس بأداء فرائضه عليكم في الإصلاح بين المقتتلين من أهل الإيمان بالعدل, وفي غير ذلك من فرائضه, واجتناب معاصيه, ليرحمكم ربكم, فيصفح لكم عن سالف إجرامكم إذا أنتم أطعتموه, واتبعتم أمره ونهيه, واتقيتموه بطاعته.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)

( إنما المؤمنون إخوة ) في الدين والولاية ( فأصلحوا بين أخويكم ) إذا اختلفا واقتتلا ، قرأ يعقوب " بين إخوتكم " بالتاء على الجمع ( واتقوا الله ) فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره ( لعلكم ترحمون ) .
[ أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ] ، أخبرنا أبو محمد الحسين بن أحمد المخلدي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " .
وفي هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان ، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين ، يدل عليه ما روي عن الحارث الأعور أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - سئل - وهو القدوة - في قتال أهل البغي ، عن أهل الجمل وصفين : أمشركون هم ؟ فقال : لا ، من الشرك فروا ، فقيل : أمنافقون هم ؟ فقال : لا ، إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا ، قيل : فما حالهم ؟ قال : إخواننا بغوا علينا .
والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل ، فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل ، ونصبوا إماما فالحكم فيهم أن يبعث الإمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته ، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم ، وإن لم يذكروا مظلمة ، وأصروا على بغيهم ، قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته ، ثم الحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ، ولا يذفف على جريحهم ، نادى منادي علي - رضي الله عنه - يوم الجمل : ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح . وأتي علي - رضي الله عنه - يوم صفين بأسير فقال له : لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين . وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس أو مال فلا ضمان عليه .
قال ابن شهاب : كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول ، وأتلف فيها أموال كثيرة ، ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم ، وجرى الحكم عليهم ، فما علمته اقتص من أحد ولا أغرم مالا أتلفه .
أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثلاث بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم ، أو لم يكن لهم تأويل ، أو لم ينصبوا إماما ، فلا يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتالا ولم يتعرضوا للمسلمين ، فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق .
روي أن عليا - رضي الله عنه - سمع رجلا يقول في ناحية المسجد : لا حكم إلا لله تعالى ، فقال علي : كلمة حق أريد بها باطل ، لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدؤكم بقتال .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features