وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)

{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } أي: عاليًا به، مستعليًا بخلقك الذي من الله عليك به، وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين، [عائشة -رضي الله عنها-] لمن سألها عنه، فقالت: "كان خلقه القرآن"، وذلك نحو قوله تعالى له: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } [الآية]، { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيُصُ عَلَيْكُم بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، [والآيات] الحاثات على الخلق العظيم فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا، فكان صلى الله عليه وسلم سهلًا لينا، قريبًا من الناس، مجيبًا لدعوة من دعاه، قاضيًا لحاجة من استقضاه، جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبًا، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسًا له إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلي عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم.
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
يقول تعالى ذكر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك.
حدثني على قال ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) يقول: دين عظيم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن بن عباس، قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) يقول: إنك على دين عظيم، وهو الإسلام.
حدثني محمد بن عمرو، قال. ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال ثنا الحسن. قال. ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قال: الدين.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: سألتُ عائشة عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان خلقه القرآن، تقول: كما هو في القرآن.
حدثنا بشر، قال. ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ذُكر لنا أن سعيد بن هشام سأل عائشة عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: قلت: بلى، قالت: فإن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.
حدثنا عُبيد بن آدم بن أبي إياس، قال: ثني أبي، قال: ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن سعيد بن هشام، قال: أتيت عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، فقلت: أخبريني عن خُلُق رسول الله، فقالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ).
أخبرنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني معاوية بن صالح، عن أبى الزهرية، عن جُبير بن نُفَير قال: حججبت فدخلت على عائشة، فسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن.
حدثنا عبيد بن أسباط، قال: ثني أبي، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، في قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قال: أدب القرآن.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قال: على دين عظيم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) يعني دينه، وأمره الذي كان عليه، مما أمره الله به، ووكله إليه.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features