فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5)

وتجمع على ظهرها من الأوزار بمنزلة من يجمع حطبًا، قد أعد له في عنقه حبلًا { مِنْ مَسَدٍ } أي: من ليف.
أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها، متقلدة في عنقها حبلًا من مسد، وعلى كل، ففي هذه السورة، آية باهرة من آيات الله، فإن الله أنزل هذه السورة، وأبو لهب وامرأته لم يهلكا، وأخبر أنهما سيعذبان في النار ولا بد، ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان، فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة.
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5)

وقوله ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ )
يقول في عنقها; والعرب تسمي العنق جيدا ; ومنه قول ذي الرمة:
فعَيْنَــاكِ عَيْناهــا وَلَـوْنُكِ لَوْنُهـا
وجِــيدُكِ إلا أنَّهَــا غَـيْرُ عَـاطِلِ (3)
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ ) قال: في رقبتها.
وقوله: ( حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) اختلف أهل التأويل في ذلك, فقال بعضهم: هي حبال تكون بمكة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: حبل من شجر, وهو الحبل الذي كانت تحتطب به.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, &; عن ابن عباس ( حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: هي حبال تكون بمكة; ويقال: المَسَد: العصا التي تكون في البكرة, ويقال المَسَد: قلادة من وَدَع.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: في قوله: ( حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: حبال من شجر تنبت في اليمن لها مسد, وكانت تفتل; وقال ( حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) : حبل من نار في رقبتها.
وقال آخرون: المسد: الليف.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع, عن سفيان, عن السدي, عن يزيد, عن عروة ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: سلسلة من حديد, ذرعها سبعون ذراعا.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن السدي, عن رجل يقال له يزيد, عن عروة بن الزبير ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعا.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن يزيد, عن عروة بن الزبير ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعا.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع, عن أبيه, عن الأعمش, عن مجاهد ( مِنْ مَسَدٍ ) قال: من حديد.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: حبل في عنقها في النار مثل طوق طوله سبعون ذراعا.
وقال آخرون: المَسَد: الحديد الذي يكون في البَكرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: الحديدة تكون في البكرة.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: عود البكرة من حديد.
حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: الحديدة للبكرة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: ثنا المعمر بن سليمان, قال: قال أبو المعتمر: زعم محمد أن عكرمة قال: ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) إنه الحديدة التي في وسط البكرة.
وقال آخرون: هو قلادة من ودع في عنقها.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: قلادة من ودع.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) قال: قلادة من ودع.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب, قول من قال: هو حبل جُمع من أنواع مختلفة, ولذلك اختلف أهل التأويل في تأويله على النحو الذي ذكرنا, ومما يدلّ على صحة ما قلنا في ذلك قول الراجز:
وَمَسَـــدٍ أُمِـــرَّ مِــنْ أيــانِقِ
صُهْــبٍ عِتــاقٍ ذاتِ مُـخ زَاهِـق (4)
فجعل إمراره من شتى, وكذلك المسد الذي في جيد امرأة أبي لهب, أمِرَّ من أشياء شتى, من ليف وحديد ولحاء, وجعل في عنقها طوقا كالقلادة من ودع; ومنه قول الأعشى:
تُمْسِـي فَيَصْـرِفُ بَابَهـا مِـنْ دُونِنَـا
غَلْقًــا صَــرِيفَ مَحَالَـةَ الأمْسَـادِ (5)
يعني بالأمساد: جمع مَسَد, وهي الجبال.
آخر تفسير سورة تبت
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1) في خلاصة الخزرجي : سعيد بن مينا ، بكسر الميم ، ومد النون : مولى أبي ذباب ... وثقه ابن معين وأبو حاتم .
(2) لعله يقصد بقوله : " وحمالة الحطب نكرة " أنها إضافة لفظية لا معنوية ، فهي في حكم النكرة .
(3) البيت لذي الرمة غيلان ( ديوانه 495 ) وقد استشهد به المؤلف على أن العرب تسمي العنق جيدا ، كما في بيت ذي الرمة . والعاطل : التي لا حُلِيَّ عليها .
(4) البيتان : لعمارة بن طارق وهما من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( مصورة الجامعة 26390 عن مخطوطة مراد منلا بالآستانة ) قال : { حبل من مسد } من النار ، والمسد عند العرب : حبال تكون من ضروب . قال : " ومسد أمر ... " البيتين . وفي ( اللسان : مسد ) قال : المسد ، بالتحريك : الليف . وقال ابن سيده : المسد : حبل من ليف ، أو خوص ، أو شعر ، أو وبر ، أو صوف ، أو جلود الإبل ، أو جلود ، أو من شيء كان ، قال : وقد يكون من جلود الإبل ، أو من أوبارها . وأنشد الأصمعي لعمارة بن طارق ، وقال أبو عبيدة : هو لعقبة الهجيمي :
فـأعْجَلْ بِغَـرْبٍ مثْـلِ غَـرْبِ طارِقِ
وَمَسَـــدٍ أُمِـــرَّ مِــنْ أيــانِقِ
ليسَ بأنْيَــــابٍ وَلا حَقــــائِقِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال : يقول : اعْجَل بدلو مثل دلو طارق ، ومسد فتل من أيانق . وأيانق : جمع أينُق ، وأينُق جمع ناقة .
والأنياب : جمع ناب ، وهي الهرمة ، والحقائق : جمع حقة ( بالكسر ) وهي التي دخلت في السنة الرابعة ، وليس جلدها بالقوى . يريد ليس جلدها من الصغير ولا الكبير ، بل هو من جلد ثنية ، أو رباعية ، أو سديس ، أو بازل ؛ وخص به أبو عبيد الحبل من الليف . وقيل : هو الحبل المضفور ، المحكم الفتل ، من جميع ذلك . وقال الزجاج في قوله عز وجل : { في جيدها حبل من مسد } جاء في التفسير ؛ أنها سلسلة طولها سبعون ذراعا ، يسلك بها في النار . والجمع : أمساد ، ومساد . وانظر ( اللسان : مسد ) ، ففيه أقوال كثيرة أخرى في الآية .
(5) البيت من قصيدة لأعشى بني قيس بن ثعلبة في الفخر ( ديوانه 129 ) . وقبله مباشرة :
فــانْهَيْ خيــالَكِ أنْ يَـزُورَ فإنَّـهُ
فــي كـلّ مَنزِلـةٍ يَعُـودُ وِسـادِي
قال الدكتور محمد حسين شارح الديوان : المنزل والمنزلة ، مكان الإقامة . والصريف : صوت الباب والأسنان والبكرة حين تدور . المحالة : البكرة . الأمساد : الحبال ، جمع مسد ( بفتحتين . يشبه صوت الباب حين تغلقه من خلفها في المساء بصوت البكرة حين تدور على البئر ) . ا هـ .
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5)

قوله تعالى : في جيدها حبل من مسد قوله تعالى : في جيدها أي عنقها . وقال امرؤ القيس :
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش إذا هي نصته ولا بمعطل
حبل من مسد أي من ليف ؛ قال النابغة :
مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد
وقال آخر :
يا مسد الخوص تعوذ مني إن كنت لدنا لينا فإني
ما شئت من أشمط مقسئن
وقد يكون من جلود الإبل ، أو من أوبارها ؛ قال الشاعر :
ومسد أمر من أيانق لسن بأنياب ولا حقائق
وجمع الجيد أجياد ، والمسد أمساد . أبو عبيدة : هو حبل يكون من صوف . قال الحسن : هي حبال من شجر تنبت باليمن تسمى المسد ، وكانت تفتل . قال الضحاك وغيره : هذا في الدنيا ؛ فكانت تعير النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفقر وهي تحتطب في حبل تجعله في جيدها من ليف ، فخنقها الله جل وعز به فأهلكها ؛ وهو في الآخرة حبل من نار . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : في جيدها حبل من مسد قال : سلسلة ذرعها سبعون ذراعا - وقاله مجاهد وعروة بن الزبير : تدخل من فيها ، وتخرج من أسفلها ، ويلوى سائرها على عنقها . وقال قتادة : حبل من مسد قال : قلادة من ودع . الودع : خرز بيض تخرج من البحر ، تتفاوت في الصغر والكبر . قال الشاعر :
والحلم حلم صبي يمرث الودعه
والجمع : ودعات . الحسن : إنما كان خرزا في عنقها . سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة من جوهر ، فقالت : واللات والعزى لأنفقتها في عداوة محمد . ويكون ذلك عذابا في جيدها يوم القيامة . وقيل : إن ذلك إشارة إلى الخذلان ؛ يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء ، كالمربوط في جيده بحبل من مسد . والمسد : الفتل . يقال : مسد حبله يمسده مسدا ؛ أي أجاد فتله . قال :
يمسد أعلى لحمه ويأرمه
يقول : إن البقل يقوي ظهر هذا الحمار ويشده . ودابة ممسودة الخلق : إذا كانت شديدة الأسر . قال الشاعر :
ومسد أمر من أيانق صهب عتاق ذات مخ زاهق
لسن بأنياب ولا حقائق
ويروى :
ولا ضعاف مخهن زاهق
قال الفراء : هو مرفوع والشعر مكفأ . يقول : بل مخهن مكتنز ؛ رفعه على الابتداء . قال : ولا يجوز أن يريد ولا ضعاف زاهق مخهن . كما لا يجوز أن تقول : مررت برجل أبوه قائم ؛ بالخفض . وقال غيره : الزاهق هنا : بمعنى الذاهب كأنه قال : ولا ضعاف مخهن ، ثم رد الزاهق على الضعاف . ورجل ممسود : أي مجدول الخلق . وجارية حسنة المسد والعصب والجدل والأرم ؛ وهي ممسودة ومعصوبة ومجدولة ومأرومة . والمساد ، على فعال : لغة في المساب ، وهي نحي السمن ، وسقاء العسل . قال جميعه الجوهري . وقد اعترض فقيل : إن كان ذلك حبلها الذي تحتطب به ، فكيف يبقى في النار ؟ وأجيب عنه بأن الله - عز وجل - قادر على تجديده كلما احترق . والحكم ببقاء أبي لهب وامرأته في النار مشروط ببقائهما على الكفر إلى الموافاة ؛ فلما ماتا على الكفر صدق الإخبار عنهما . ففيه معجزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - . فامرأته خنقها الله بحبلها ، وأبو لهب رماه الله بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال ، بعد أن شجته أم الفضل . وذلك أنه لما قدم الحيسمان مكة يخبر خبر بدر ؛ قال له أبو لهب : أخبرني خبر الناس . قال : نعم ، والله ما هو إلا أن لقينا القوم ، فمنحناهم أكتافنا ، يضعون السلاح منا حيث شاءوا ، ومع ذلك ما لمست الناس . لقينا رجالا بيضا على خيل بلق ، لا والله ما تبقي منا ؛ يقول : ما تبقي شيئا . قال أبو رافع : وكنت غلاما للعباس أنحت الأقداح في صفة زمزم ، وعندي أم الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر ، فرفعت طنب الحجرة ، فقلت : تلك والله الملائكة . قال : فرفع أبو لهب يده ، فضرب وجهي ضربة منكرة ، وثاورته ، وكنت رجلا ضعيفا ، فاحتملني ، فضرب بي الأرض ، وبرك على صدري يضربني . وتقدمت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فتأخذه وتقول : استضعفته أن غاب عنه سيده ! وتضربه بالعمود على رأسه فتفلقه شجة منكرة . فقام يجر رجليه ذليلا ، ورماه الله بالعدسة ، فمات ، وأقام ثلاثة أيام يدفن حتى أنتن ؛ ثم إن ولده غسلوه بالماء ، قذفا من بعيد ، مخافة عدوى العدسة . وكانت قريش تتقيها كما يتقى الطاعون . ثم احتملوه إلى أعلى مكة ، فأسندوه إلى جدار ، ثم رضموا عليه الحجارة .
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5)

( في جيدها ) في عنقها ، وجمعه أجياد ، ( حبل من مسد ) واختلفوا فيه ، قال ابن عباس ، وعروة بن الزبير : سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا ، تدخل في فيها وتخرج من دبرها ، ويكون سائرها في عنقها ، وأصله من " المسد " وهو الفتل ، و " المسد " ما فتل وأحكم من أي شيء كان ، يعني : السلسلة التي في عنقها ففتلت من الحديد فتلا محكما .
وروى الأعمش عن مجاهد : " من مسد " أي من حديد ، والمسد : الحديدة التي تكون في البكرة ، يقال لها المحور .
وقال الشعبي ومقاتل : من ليف . قال الضحاك وغيره : في الدنيا من ليف ، وفي الآخرة من نار . وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به ، فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها .
قال ابن زيد : حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد .
قال قتادة : قلادة من ودع وقال الحسن : كانت خرزات في عنقها [ فاخرة ] وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة في عنقها فاخرة ، فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features