يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)

وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين. والمخادعة: أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا, ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع، فهؤلاء المنافقون, سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك, فعاد خداعهم على أنفسهم، فإن هذا من العجائب؛ لأن المخادع, إما أن ينتج خداعه ويحصل له ما يريد أو يسلم, لا له ولا عليه، وهؤلاء عاد خداعهم عليهم, وكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم وإضرارها وكيدها؛ لأن الله تعالى لا يتضرر بخداعهم [شيئا] وعباده المؤمنون, لا يضرهم كيدهم شيئا، فلا يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون الإيمان, فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دماؤهم, وصار كيدهم في نحورهم, وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا, والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة. ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع, بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم, والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك.
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)

قوله تعالى : يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون
قال علماؤنا : معنى يخادعون الله أي يخادعونه عند أنفسهم وعلى ظنهم . وقيل : قال ذلك لعملهم عمل المخادع . وقيل : في الكلام حذف ، تقديره : يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الحسن وغيره . وجعل خداعهم لرسوله خداعا له ، لأنه دعاهم برسالته ، وكذلك إذا خادعوا المؤمنين فقد خادعوا الله . ومخادعتهم : ما أظهروه من الإيمان خلاف ما أبطنوه من الكفر ، ليحقنوا دماءهم وأموالهم ، ويظنون أنهم قد نجوا وخدعوا ، قاله جماعة من المتأولين . وقال أهل اللغة : أصل الخدع في كلام العرب الفساد ، حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي . وأنشد :
أبيض اللون لذيذ طعمه طيب الريق إذا الريق خدع
قلت : ف يخادعون الله على هذا ، أي يفسدون إيمانهم وأعمالهم فيما بينهم وبين الله تعالى بالرياء . وكذا جاء مفسرا عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما يأتي . وفي التنزيل : يراؤون الناس . وقيل : أصله الإخفاء ، ومنه مخدع البيت الذي يحرز فيه الشيء ، حكاه ابن فارس وغيره . وتقول العرب : انخدع الضب في جحره .
قوله تعالى : وما يخدعون إلا أنفسهم نفي وإيجاب ، أي ما تحل عاقبة الخدع إلا بهم . ومن كلامهم : من خدع من لا يخدع فإنما يخدع نفسه . وهذا صحيح ، لأن الخداع إنما يكون مع من لا يعرف البواطن ، وأما من عرف البواطن فمن دخل معه في الخداع فإنما يخدع نفسه . ودل هذا على أن المنافقين لم يعرفوا الله ; إذ لو عرفوه لعرفوا أنه لا يخدع ، وقد تقدم من قوله عليه السلام أنه قال : لا تخادع الله فإنه من يخادع الله يخدعه الله ونفسه يخدع لو يشعر قالوا : يا رسول الله ، وكيف يخادع الله ؟ قال : تعمل بما أمرك الله به وتطلب به غيره . وسيأتي بيان الخدع من الله تعالى كيف هو عند قوله تعالى : الله يستهزئ بهم . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : يخادعون في الموضعين ، ليتجانس اللفظان . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر : " يخدعون " الثاني . والمصدر خدع ( بكسر الخاء ) وخديعة ، حكى ذلك أبو زيد . وقرأ مورق العجلي : " يخدعون الله " ( بضم الياء وفتح الخاء وتشديد الدال ) على التكثير . وقرأ أبو طالوت عبد السلام بن شداد والجارود بضم الياء وإسكان الخاء وفتح الدال ، على معنى وما يخدعون إلا عن أنفسهم ، فحذف حرف الجر ، كما قال تعالى : واختار موسى قومه أي من قومه .
قوله تعالى : وما يشعرون أي يفطنون أن وبال خدعهم راجع عليهم ، فيظنون أنهم قد نجوا بخدعهم وفازوا ، وإنما ذلك في الدنيا ، وفي الآخرة يقال لهم : ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا على ما يأتي . قال أهل اللغة : شعرت بالشيء أي فطنت له ، ومنه الشاعر لفطنته ; لأنه يفطن لما لا يفطن له غيره من غريب المعاني . ومنه قولهم : ليت شعري ، أي ليتني علمت .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features