أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

{ أُولَئِكَ } أي: الموصوفون بتلك الصفات الحميدة { عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ } أي: على هدى عظيم, لأن التنكير للتعظيم، وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة، وهل الهداية [الحقيقية] إلا هدايتهم، وما سواها [مما خالفها]، فهو ضلالة. وأتى بـ " على " في هذا الموضع, الدالة على الاستعلاء, وفي الضلالة يأتي بـ " في " كما في قوله: { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى, مرتفع به, وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر. ثم قال: { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } والفلاح [هو] الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، حصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم, وما عدا تلك السبيل, فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك.
أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

قوله تعالى : أولئك على هدى من ربهم و أولئك هم المفلحون
قال النحاس : أهل نجد يقولون : ألاك ، وبعضهم يقول : ألالك ، الكاف للخطاب . قال الكسائي : من قال أولئك فواحده ذلك ، ومن قال ألاك فواحده ذاك ، وألالك مثل أولئك ، وأنشد ابن السكيت :
ألالك قومي لم يكونوا أشابة وهل يعظ الضليل إلا ألالكا
وربما قالوا : أولئك في غير العقلاء ، قال الشاعر :
ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأيام
وقال تعالى : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا وقال علماؤنا : إن في قوله تعالى : ( من ربهم ) ردا على القدرية في قولهم : يخلقون إيمانهم وهداهم ، تعالى الله عن قولهم ، ولو كان كما قالوا لقال : - من أنفسهم - ، وقد تقدم الكلام فيه وفي الهدى فلا معنى لإعادة ذلك .
وأولئك هم المفلحون : ( هم ) يجوز أن يكون مبتدأ ثانيا وخبره المفلحون ، والثاني وخبره خبر الأول ، ويجوز أن تكون ( هم ) زائدة - يسميها البصريون فاصلة والكوفيون عمادا - و ( المفلحون ) خبر ( أولئك ) .
والفلح أصله في اللغة الشق والقطع ، قال الشاعر :
إن الحديد بالحديد يفلح
أي يشق ، ومنه فلاحة الأرضين إنما هو شقها للحرث ، قاله أبو عبيد ولذلك سمي الأكار فلاحا . ويقال للذي شقت شفته السفلى أفلح ، وهو بين الفلحة ، فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه . وقد يستعمل في الفوز والبقاء ، وهو أصله أيضا في اللغة ، ومنه قول الرجل لامرأته : استفلحي بأمرك ، معناه فوزي بأمرك ، وقال الشاعر :
لو كان حي مدرك الفلاح أدركه ملاعب الرماح
وقال الأضبط بن قريع السعدي في الجاهلية الجهلاء :
لكل هم من الهموم سعه والمسي والصبح لا فلاح معه
يقول : ليس مع كر الليل والنهار بقاء . وقال آخر :
نحل بلادا كلها حل قبلنا ونرجو الفلاح بعد عاد وحمير
أي البقاء : وقال عبيد :
أفلح بما شئت فقد يدرك بالض عف وقد يخدع الأريب
أي ابق بما شئت من كيس وحمق فقد يرزق الأحمق ويحرم العاقل . فمعنى وأولئك هم المفلحون : أي الفائزون بالجنة والباقون فيها . وقال ابن أبي إسحاق : المفلحون هم الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا ، والمعنى واحد . وقد استعمل الفلاح في السحور ، ومنه الحديث : حتى كاد يفوتنا الفلاح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : وما الفلاح ؟ قال : السحور . أخرجه أبو داود . فكأن معنى الحديث أن السحور به بقاء الصوم فلهذا سماه فلاحا . والفلاح ( بتشديد اللام ) : المكاري في قول القائل :
لها رطل تكيل الزيت فيه وفلاح يسوق لها حمارا
ثم الفلاح في العرف : الظفر بالمطلوب ، والنجاة من المرهوب .
مسألة : إن قال كيف قرأ حمزة : عليهم وإليهم ولديهم ، ولم يقرأ من ربهم ولا فيهم ولا جنتيهم ؟ فالجواب أن عليهم وإليهم ولديهم الياء فيه منقلبة من ألف ، والأصل علاهم ولداهم وإلاهم فأقرت الهاء على ضمتها ، وليس ذلك في فيهم ولا من ربهم ولا جنتيهم ، ووافقه الكسائي في عليهم الذلة و إليهم اثنين على ما هو معروف من القراءة عنهما .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features