وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)

{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ } واجب ومستحب { لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } أي: للمحتاجين الذين يطلبون من الناس، والذين لا يطلبون منهم
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)

قوله تعالى : وفي أموالهم حق للسائل والمحروم مدح ثالث . قال محمد بن سيرين وقتادة : الحق هنا الزكاة المفروضة . وقيل : إنه حق سوى الزكاة يصل به رحما ، أو يقري به ضيفا ، أو يحمل به كلا ، أو يغني محروما . وقاله ابن عباس ; لأن السورة مكية وفرضت الزكاة بالمدينة . ابن العربي : والأقوى في هذه الآية أنها الزكاة ; لقوله تعالى في سورة " المعارج " : والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والحق المعلوم هو الزكاة التي بين الشرع قدرها وجنسها ووقتها ، فأما غيرها لمن يقول به فليس بمعلوم ; لأنه غير مقدر ولا مجنس ولا موقت .
قوله تعالى : للسائل والمحروم السائل الذي يسأل الناس لفاقته ; قاله ابن عباس وسعيد بن المسيب وغيرهما . والمحروم الذي حرم المال . واختلف في تعيينه ; فقال ابن عباس وسعيد بن المسيب وغيرهما : المحروم المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم . وقالت عائشة رضي الله عنها : المحروم المحارف الذي لا يتيسر له مكسبه ; يقال : رجل محارف بفتح الراء أي محدود محروم ، وهو خلاف قولك مبارك . وقد حورف كسب فلان إذا شدد عليه في معاشه كأنه ميل برزقه عنه . وقال قتادة والزهري : المحروم المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا ولا يعلم بحاجته . وقال الحسن ومحمد ابن الحنفية : المحروم الذي يجيء بعد الغنيمة وليس له فيها سهم . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأصابوا وغنموا فجاء قوم بعد ما فرغوا فنزلت هذه الآيةوفي أموالهم .
وقال عكرمة : المحروم الذي لا يبقى له مال . وقال زيد بن أسلم : هو الذي أصيب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته . وقال القرظي : المحروم الذي أصابته الجائحة ثم قرأ إنا لمغرمون بل نحن محرومون نظيره في قصة أصحاب الجنة حيث قالوا : بل نحن محرومون وقال أبو قلابة : كان رجل من أهل اليمامة له مال فجاء سيل فذهب بماله ، فقال رجل من أصحابه : هذا المحروم فاقسموا له . وقيل : إنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه . وهو يروى عن ابن عباس أيضا . وقال عبد الرحمن بن حميد : المحروم المملوك . وقيل : إنه الكلب ; روي أن عمر بن عبد العزيز كان في طريق مكة ، فجاء كلب فانتزع عمر - رحمه الله - كتف شاة فرمى بها إليه وقال : يقولون إنه المحروم . وقيل : إنه من وجبت نفقته بالفقر من ذوي الأنساب ; لأنه قد حرم كسب نفسه حتى وجبت نفقته في مال غيره . وروى ابن وهب عن مالك : أنه الذي يحرم الرزق ، وهذا قول حسن ; لأنه يعم جميع الأقوال . وقال الشعبي : لي اليوم سبعون سنة منذ احتلمت أسأل عن المحروم فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذ . رواه شعبة عن عاصم الأحول عن الشعبي . وأصله في اللغة الممنوع ; من الحرمان وهو المنع . قال علقمة :
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه أنى توجه والمحروم محروم
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم ، فيقول الله تعالى : وعزتي وجلالي لأقربنكم ولأبعدنهم ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ذكره الثعلبي .
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)

وقوله ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) يقول تعالى ذكره: وفي أموال هؤلاء المحسنين الذين وصف صفتهم حقٌّ لسائلهم المحتاج إلى ما في أيديهم والمحروم.
وبنحو الذي قلنا في معنى السائل, قال أهل التأويل, وهم في معنى المحروم مختلفون, فمن قائل: هو المحارَف الذي ليس له في الإسلام سهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن &; 22-414 &; قيس بن كركم, عن ابن عباس سألته عن السائل والمحروم, قال: السائل: الذي يسأل الناس, والمحروم: الذي ليس له في الإسلام سهم وهو محارَف.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه عن ابن عباس, قوله ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال: المحروم: المحارف.
حدثنا سهل بن موسى الرازي, قال: ثنا وكيع, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن قيس بن كركم, عن ابن عباس, قال: السائل: السائل. والمحروم: المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم.
حدثنا سهل بن موسى, قال: ثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن قيس بن كركم, عن ابن عباس, قال: المحروم: المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم.
حدثنا حُميد بن مسعدة, قال: ثنا يزيد بن زريع, قال: ثنا شعبة عن أبي إسحاق, عن قيس بن كركم, عن ابن عباس في هذه الآية ( لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال: السائل: الذي يسأل, والمحروم: المحارَف.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, قال: سمعت أبا إسحاق يحدّث عن قيس بن كركم, عن ابن عباس, بنحوه.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول: الله تبارك وتعالى: المحروم, قال: المحارف.
وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَالمَحْرُومِ ) : هو الرجل المحارف الذي لا يكون له مال إلا ذهب, قضى الله له ذلك.
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن قيس بن كركم, قال: سألت ابن عباس عن قوله ( لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال: السائل: الذي يسأل, والمحروم: المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم.
حدثني محمد بن عمرو المقدمي, قال: ثنا قريش بن أنس, عن سليمان, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب: المحروم: المحارَف.
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن منصور, عن إبراهيم, قال في المحروم: هو المحارف الذي ليس له أحد يعطف عليه, أو يعطيه شيئا.
حدثني ابن المثنى, قال: ثني وهب بن جرير, قال ثنا شعبة, عن عاصم, عن أبي قلابة, قال: جاء سيل باليمامة, فذهب بمال رجل, فقال رجل من أصحاب النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : هذا المحروم.
حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, قال: أخبرنا أيوب, عن نافع, قال: المحروم: المحارف.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني مسلم بن خالد, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: المحروم: المحارف.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا حجاج, عن الوليد بن العيزار عن سعيد بن جُبير, عن ابن عباس أنه قال: المحروم: هو المحارف.
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا هشيم, عن أبي بشر, قال: سألت سعيد بن جُبير, عن المحروم, فلم يقل فيه شيئا, فقال عطاء: هو المحدود المحارف.
ومن قائل: هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني نافع بن يزيد, عن عمرو بن الحارث, عن بكير بن الأشجّ, عن سعيد بن المسيب, أنه سُئل عن المحروم فقال: المحارف. (4)
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) هذان فقيرا أهل الإسلام, سائل يسأل في كفِّه, وفقير معتفِّف, ولكليهما عليك حقّ يا ابن آدم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري ( لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال: السائل: الذي يسأل, والمحروم: المتعفف الذي لا يسأل.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, قال: قال معمر, وحدثني الزهريّ, أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " لَيْسَ المِسْكينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمرةُ والتَّمْرَتان والأكْلَة والأكْلَتانِ, قالوا فمن المسكين يا رسول الله؟ قال: الَّذِي لا يَجِدُ غِنًى, وَلا يُعْلَمُ بِحاجَتِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَذلكَ المَحْرُومُ" .
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, في قوله ( لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال: السائل الذي يسأل بكفه, والمحروم: المتعفف, ولكليهما عليك حقّ يا ابن آدم.
وقائل: هو الذي لا سهم له في الغنيمة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, عن الحسن بن محمد, إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعث سرية, فغنموا, فجاء قوم يشهدون الغنيمة, فنـزلت هذه الآية : ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) .
حدثنا أبو كُريب, قال: ثنا ابن أبي زائدة, عن سفيان, عن قيس بن مسلم الجدلي, عن الحسن بن محمد, قال: بعثت سرية فغنموا, ثم جاء قوم من بعدهم, قال: فنـزلت ( لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) .
حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن الحكم, عن إبراهيم أن أناسا قدموا على عليّ رضي الله عنه الكوفة بعد وقعة الجمل, فقال: اقسموا لهم, قال: هذا المحروم.
حدثنا أبو كُريب, قال: ثنا أبو نعيم, عن سفيان, عن قيس بن مسلم, عن الحسن بن محمد أن قوما في زمان النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أصابوا غنيمة, فجاء قوم بعد, فنـزلت ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) .
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا حكام, قال: ثنا عمرو, عن منصور, عن إبراهيم, قال: المحروم: الذي لا فيء له في الإسلام, وهو محارف من الناس.
قال: ثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم, قوله ( لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال: المحروم: الذي لا يجري عليه شيء من الفيء, وهو محارف من الناس.
وقائل: هو الذي لا ينمى له مال.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب, قال: ثنا ابن إدريس, عن حصين, قال: سألت عكرِمة, عن السائل والمحروم؟ قال: السائل: الذي يسألك, والمحروم: الذي لا ينمى له مال.
وقائل: هو الذي قد ذهب ثمره وزرعه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال: المحروم: المصاب ثمره وزرعه, &; 22-418 &; وقرأ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ . . حتى بلغ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ وقال أصحاب الجنة : إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ .
حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عبد الله بن عياش, قال: قال زيد بن أسلم في قول الله ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال ليس ذلك بالزكاة, ولكن ذلك مما ينفقون من أموالهم بعد إخراج الزكاة, والمحروم: الذي يُصاب زرعه أو ثمره أو نسل ماشيته, فيكون له حقّ على من لم يصبه ذلك من المسلمين, كما قال لأصحاب الجنة حين أهلك جنتهم قالوا بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ وقال أيضًا : لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ .
وكان الشعبي يقول في ذلك ما حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, عن ابن عون, قال: قال الشعبيّ: أعياني أن أعلم ما المحروم.
والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج, وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره, فصار ممن حرمه الله ذلك, وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة, ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة, فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ, كما قال جلّ ثناؤه ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) .
-------------------------
الهوامش :
(4) هذا الأثر يناسب القول الأول ، فلعله مؤخر من تقديم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features