۞ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)

يخبر تعالى عن مقالة الأعراب، الذين دخلوا في الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخولاً من غير بصيرة، ولا قيام بما يجب ويقتضيه الإيمان، أنهم ادعوا مع هذا وقالوا: آمنا أي: إيمانًا كاملاً، مستوفيًا لجميع أموره هذا موجب هذا الكلام، فأمر الله رسوله، أن يرد عليهم، فقال: { قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا } أي: لا تدعوا لأنفسكم مقام الإيمان، ظاهرًا، وباطنًا، كاملاً.
{ وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } أي: دخلنا في الإسلام، واقتصروا على ذلك.
{ و } السبب في ذلك، أنه { لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } وإنما آمنتم خوفًا، أو رجاء، أو نحو ذلك، مما هو السبب في إيمانكم، فلذلك لم تدخل بشاشة الإيمان في قلوبكم، وفي قوله: { وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي: وقت هذا الكلام، الذي صدر منكم فكان فيه إشارة إلى أحوالهم بعد ذلك، فإن كثيرًا منهم، من الله عليهم بالإيمان الحقيقي، والجهاد في سبيل الله، { وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } بفعل خير، أو ترك شر { لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا } أي: لا ينقصكم منها، مثقال ذرة، بل يوفيكم إياها، أكمل ما تكون لا تفقدون منها، صغيرًا، ولا كبيرًا، { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي: غفور لمن تاب إليه وأناب، رحيم به، حيث قبل توبته.
۞ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)

قوله تعالى : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم .
نزلت في أعراب من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السر . وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها ، وكانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فأعطنا من الصدقة ، وجعلوا يمنون عليه فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية . وقال ابن عباس : نزلت في أعراب أرادوا أن يتسموا باسم الهجرة قبل أن يهاجروا ، فأعلم الله أن لهم أسماء الأعراب لا أسماء المهاجرين . وقال السدي : نزلت في الأعراب المذكورين في سورة الفتح : أعراب مزينة وجهينة وأسلم وغفار والديل وأشجع ، قالوا آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم ، فلما استنفروا إلى المدينة تخلفوا ، فنزلت .
وبالجملة فالآية خاصة لبعض الأعراب ; لأن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر كما وصف الله تعالى . ومعنى ولكن قولوا أسلمنا أي : استسلمنا خوف القتل والسبي ، وهذه صفة المنافقين ; لأنهم أسلموا في ظاهر إيمانهم ولم تؤمن قلوبهم ، وحقيقة الإيمان التصديق بالقلب . وأما الإسلام فقبول ما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الظاهر ، وذلك يحقن الدم .
وإن تطيعوا الله ورسوله يعني إن تخلصوا الإيمان لا يلتكم أي : لا ينقصكم . من أعمالكم شيئا لاته يليته ويلوته : نقصه . وقرأ أبو عمرو ( لا يألتكم ) بالهمزة ، من ألت يألت ألتا ، وهو اختيار أبي حاتم ، اعتبارا بقوله تعالى : وما ألتناهم من عملهم من شيء قال الشاعر :
أبلغ بني ثعل عني مغلغلة جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا
واختار الأولى أبو عبيد . قال رؤبة :
وليلة ذات ندى سريت ولم يلتني عن سراها ليت
أي : لم يمنعني عن سراها مانع ، وكذلك ألاته عن وجهه ، فعل وأفعل بمعنى . ويقال أيضا : ما ألاته من عمله شيئا ، أي : ما نقصه ، مثل ألته ، قاله الفراء . وأنشد [ للشاعر عدي بن زيد ] :
ويأكلن ما أعنى الولي فلم يلت كأن بحافات النهاء المزارعا
قوله : فلم يلت أي : لم ينقص منه شيئا . وأعنى بمعنى أنبت ، يقال : ما أعنت الأرض شيئا ، أي : ما أنبتت . والولي المطر بعد الوسمي ، سمي وليا لأنه يلي الوسمي . ولم يقل : لا يألتاكم ، لأن طاعة الله تعالى طاعة الرسول .
۞ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)

قوله - عز وجل - : ( قالت الأعراب آمنا ) الآية ، نزلت في نفر من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنة جدبة فأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر ، فأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها وكانوا يغدون ويروحون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولون : أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها ، وجئناك بالأثقال والعيال والذراري ، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان ، يمنون على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويريدون الصدقة ، ويقولون : أعطنا ، فأنزل الله فيهم هذه الآية .
وقال السدي : نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله في سورة الفتح ، وهم أعراب جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار ، كانوا يقولون : آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم ، فلما استنفروا إلى الحديبية تخلفوا ، فأنزل الله - عز وجل - " قالت الأعراب آمنا " صدقنا .
( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) انقدنا واستسلمنا مخافة القتل والسبي ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) فأخبر أن حقيقة الإيمان التصديق بالقلب ، وأن الإقرار باللسان وإظهار شرائعه بالأبدان لا يكون إيمانا دون التصديق بالقلب والإخلاص .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن غرير الزهري ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، أخبرني عامر بن سعد ، عن أبيه قال : أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطا وأنا جالس فيهم ، قال : فترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم رجلا لم يعطه وهو أعجبهم إلي ، فقمت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ فساررته ] ، فقلت : ما لك عن فلان ؟ والله إني لأراه مؤمنا ، قال : أو مسلما ، قال : فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه ، فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا ؟ قال : أو مسلما ، قال : " إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه " .
فالإسلام هو الدخول في السلم وهو الانقياد والطاعة ، يقال : أسلم الرجل إذا دخل في السلم كما يقال : أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء ، وأصاف إذا دخل في الصيف ، وأربع إذا دخل في الربيع ، فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان ، والأبدان والجنان ، كقوله - عز وجل - لإبراهيم عليه السلام : " أسلم قال أسلمت لرب العالمين " ( البقرة - 131 ) ، ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب ، وذلك قوله : ( ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) .
( وإن تطيعوا الله ورسوله ) ظاهرا وباطنا سرا وعلانية . قال ابن عباس تخلصوا الإيمان ( لا يلتكم ) قرأ أبو عمرو " يألتكم " بالألف لقوله تعالى : " وما ألتناهم " ( الطور - 21 ) والآخرون بغير ألف ، وهما لغتان ، معناهما : لا ينقصكم ، يقال : ألت يألت ألتا ولات يليت ليتا إذا نقص ، ( من أعمالكم شيئا ) أي لا ينقص من ثواب أعمالكم شيئا ( إن الله غفور رحيم ) .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features