وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)

فجعل الله له العاقبة { والعاقبة للمتقين } ولم يدرك أعداؤه فيه إلا ما يسوءهم، حتى إنهم حرصوا على أن يزلقوه بأبصارهم أي: يصيبوه بأعينهم، من حسدهم وغيظهم وحنقهم، هذا منتهى ما قدروا عليه من الأذى الفعلي، والله حافظه وناصره، وأما الأذى القولي، فيقولون فيه أقوالًا، بحسب ما توحي إليهم قلوبهم، فيقولون تارة "مجنون" وتارة "ساحر" وتارة "شاعر".
وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)

( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ) وذلك أن الكفار أرادوا أن يصيبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعين فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه .
وقيل : كانت العين في بني أسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول : يا جارية خذي المكتل والدراهم فأتينا بشيء من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر .
وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثا ثم يرفع جانب خبائه فتمر به الإبل فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة وعدة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعين ويفعل به مثل ذلك ، فعصم الله نبيه وأنزل : " وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم " أي ويكاد ودخلت اللام في " ليزلقونك " لمكان " إن " وقرأ أهل المدينة : " ليزلقونك " بفتح الياء ، والآخرون بضمها وهما لغتان ، يقال : زلقه يزلقه زلقا وأزلقه يزلقه إزلاقا .
قال ابن عباس : معناه : ينفذونك ، ويقال : زلق السهم : إذا أنفذ .
قال السدي : يصيبونك بعيونهم . قال النضر بن شميل : يعينونك . وقيل : يزيلونك .
وقال الكلبي : يصرعونك . وقيل : يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة .
قال ابن قتيبة : ليس يريد أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه ، وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء ، يكاد يسقطك .
وقال الزجاج : يعني من شدة عداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك . وهذا مستعمل في [ كلام العرب ] يقول القائل : نظر إلي نظرا يكاد يصرعني ، ونظرا يكاد يأكلني . يدل على صحة هذا المعنى : أنه قرن هذا النظر بسماع القرآن ، وهو قوله : ( لما سمعوا الذكر ) وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهية فيحدون إليه النظر بالبغضاء ( ويقولون إنه لمجنون ) أي ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن .
وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)

قوله تعالى : وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون
قوله تعالى : وإن يكاد الذين كفروا إن هي المخففة من الثقيلة . " ليزلقونك " أي يعتانونك .
" بأبصارهم " أخبر بشدة عداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا أن يصيبوه بالعين فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه . وقيل : كانت العين في بني أسد ، حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول : يا جارية ، خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة ، فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر . وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئا يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه . فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة هالكة . فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعين فأجابهم ; فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم أنشد :
قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال أنك سيد معيون
فعصم الله نبيه صلى الله عليه وسلم ونزلت : وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك . وذكر نحوه الماوردي . وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا - يعني في نفسه وماله - تجوع ثلاثة أيام ، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن ; فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله ; فأنزل الله تعالى هذه الآية . قال القشيري : وفي هذا نظر ; لأن الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض ; ولهذا قال :
ويقولون إنه لمجنون أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن .
قلت : أقوال المفسرين واللغويين تدل على ما ذكرنا ، وأن مرادهم بالنظر إليه قتله . ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة حتى يهلك . وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش وأبو وائل ومجاهد " ليزهقونك " أي ليهلكونك . وهذه قراءة على التفسير ، من زهقت نفسه وأزهقها . وقرأ أهل المدينة " ليزلقونك " بفتح الياء . وضمها الباقون ; وهما لغتان بمعنى ; يقال : زلقه يزلقه وأزلقه يزلقه إزلاقا إذا نحاه وأبعده . وزلق رأسه يزلقه زلقا إذا حلقه . وكذلك أزلقه وزلقه تزليقا . ورجل زلق وزملق - مثال هدبد - وزمالق وزملق - بتشديد الميم - وهو الذي ينزل قبل أن يجامع ; حكاه الجوهري وغيره . فمعنى الكلمة إذا التنحية والإزالة ; وذلك لا يكون في حق النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهلاكه وموته . قال الهروي : أراد ليعتانونك بعيونهم فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوة لك . وقال ابن عباس : ينفذونك بأبصارهم ; يقال : زلق السهم وزهق إذا نفذ ; وهو قول مجاهد . أي ينفذونك من شدة نظرهم . وقال الكلبي : يصرعونك . وعنه أيضا والسدي وسعيد بن جبير : يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة . وقال العوفي : يرمونك . وقال المؤرج : يزيلونك . وقال النضر بن شميل والأخفش : يفتنونك . وقال عبد العزيز بن يحيى : ينظرون إليك نظرا شزرا بتحديق شديد . وقال ابن زيد : ليمسونك . وقال جعفر الصادق : ليأكلونك . وقال الحسن وابن كيسان : ليقتلونك . وهذا كما يقال : صرعني بطرفه ، وقتلني بعينه . قال الشاعر :
ترميك مزلقة العيون بطرفها وتكل عنك نصال نبل الرامي
وقال آخر :
يتقارضون إذا التقوا في مجلس نظرا يزل مواطئ الأقدام
وقيل : المعنى أنهم ينظرون إليك بالعداوة حتى كادوا يسقطونك . وهذا كله راجع إلى ما ذكرنا ، وأن المعنى الجامع : يصيبونك بالعين . والله أعلم .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features