۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)

لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات في الدار الآخرة، كان ذلك مما يدعو القلوب إلى الخشوع لربها، والاستكانة لعظمته، فعاتب الله المؤمنين [على عدم ذلك]، فقال: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ }
أي: ألم يجئ الوقت الذي تلين به قلوبهم وتخشع لذكر الله، الذي هو القرآن، وتنقاد لأوامره وزواجره، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى، ولما أنزله من الكتاب والحكمة، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية والأحكام الشرعية كل وقت، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك، { وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ } أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه، ولا ثبتوا، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم، { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل له الله، وتناطق بالحكمة، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين.
۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)

قوله - عز وجل - : ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) قال الكلبي ومقاتل : نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا : حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت : " نحن نقص عليك أحسن القصص " ( يوسف - 3 ) فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصا من غيره ، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل : الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها ( الزمر - 23 ) فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا : حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية . فعلى هذا التأويل ، قوله " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " يعني في العلانية وباللسان .
وقال آخرون نزلت في المؤمنين قال عبد الله بن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية : " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " إلا أربع سنين .
وقال ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن ، فقال : " ألم يأن " ألم يحن للذين آمنوا أن تخشع ترق وتلين وتخضع قلوبهم لذكر الله ( وما نزل ) قرأ نافع وحفص عن عاصم بتخفيف الزاي وقرأ الآخرون بتشديدها ( من الحق ) وهو القرآن ( ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ) وهم اليهود والنصارى ( فطال عليهم الأمد ) الزمان بينهم وبين أنبيائهم ( فقست قلوبهم ) قال ابن عباس : مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله والمعنى أن الله - عز وجل - ينهى المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر .
روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن فقال لهم : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم .
( وكثير منهم فاسقون ) يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام .
۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)

قوله تعالى : ألم يأن للذين آمنوا أي : يقرب ويحين ، قال الشاعر :
ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا
وماضيه أنى - بالقصر - يأني . ويقال : آن لك - بالمد - أن تفعل كذا يئين أينا أي : حان ، مثل : أنى لك وهو مقلوب منه . وأنشد ابن السكيت :
ألما يئن لي أن تجلى عمايتي وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا
فجمع بين اللغتين . وقرأ الحسن " ألما يأن " وأصلها " ألم " زيدت " ما " فهي نفي لقول القائل : قد كان كذا ، و " لم " نفي لقوله : كان كذا . وفي صحيحمسلم عن ابن مسعود قال : ما كنا بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله إلا أربع سنين . قال الخليل : العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة ، تقول عاتبته معاتبة أن تخشع أي : تذل وتلين قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق روي أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ترفهوا بالمدينة ، فنزلت الآية ، ولما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم : إن الله يستبطئكم بالخشوع فقالوا عند ذلك : خشعنا . وقال ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين ، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن . وقيل : نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة . وذلك أنهم سألوا سلمان أن يحدثهم بعجائب التوراة فنزلت : الر تلك آيات الكتاب المبين إلى قوله : نحن نقص عليك أحسن القصص الآية ، فأخبرهم أن هذا القصص أحسن من غيره وأنفع لهم ، فكفوا عن سلمان ، ثم سألوه مثل الأول فنزلت : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق فعلى هذا التأويل يكون الذين آمنوا في العلانية باللسان . قال السدي وغيره : ألم يأن للذين آمنوا بالظاهر وأسروا الكفر أن تخشع قلوبهم لذكر الله . وقيل : نزلت في المؤمنين . قال سعد : قيل يا رسول الله لو قصصت علينا فنزل : نحن نقص عليك فقالوا بعد زمان : لو حدثتنا فنزل : الله نزل أحسن الحديث فقالوا بعد مدة : لو ذكرتنا فأنزل الله تعالى : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ونحوه عن ابن مسعود قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين ، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول : ما أحدثنا ؟ قال الحسن : استبطأهم وهم أحب خلقه إليه . وقيل : هذا الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد عليهم السلام لأنه قال عقيب هذا : والذين آمنوا بالله ورسله أي : ألم يأن للذين آمنوا بالتوراة والإنجيل أن تلين قلوبهم للقرآن ، وألا يكونوا كمتقدمي قوم موسى وعيسى ، إذ طال عليهم الأمد بينهم وبين نبيهم فقست قلوبهم .
قوله تعالى : ولا يكونوا أي : وألا يكونوا فهو منصوب عطفا على أن تخشع .
وقيل : مجزوم على النهي ، مجازه ولا يكونن ، ودليل هذا التأويل رواية رويس عن يعقوب " لا تكونوا " بالتاء ، وهي قراءة عيسى وابن إسحاق . يقول : لا تسلكوا سبيل اليهود والنصارى ، أعطوا التوراة والإنجيل فطالت الأزمان بهم . قال ابن مسعود : إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم ، فاخترعوا كتابا من عند أنفسهم استحلته أنفسهم ، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم ، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، ثم قالوا : أعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل ، فإن تابعوكم فاتركوهم وإلا فاقتلوهم . ثم اصطلحوا على أن يرسلوه إلى عالم من علمائهم ، وقالوا : إن هو تابعنا لم يخالفنا أحد ، وإن أبى قتلناه فلا يختلف علينا بعده أحد ، فأرسلوا إليه ، فكتب كتاب الله في ورقة وجعلها في قرن وعلقه في عنقه ثم لبس عليه ثيابه ، فأتاهم فعرضوا عليه كتابهم ، وقالوا : أتؤمن بهذا ؟ فضرب بيده على صدره ، وقال : آمنت بهذا - يعني المعلق على صدره - فافترقت بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة ، وخير مللهم أصحاب ذي القرن . قال عبد الله : ومن يعش منكم فسيرى منكرا ، وبحسب أحدكم إذا رأى المنكر لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره . وقال مقاتل بن حيان : يعني مؤمني أهل الكتاب طال عليهم الأمد واستبطئوا بعث النبي صلى الله عليه وسلم فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون يعني : الذين ابتدعوا الرهبانية أصحاب الصوامع . وقيل : من لا يعلم ما يتدين به من الفقه ويخالف من يعلم . وقيل : هم من لا يؤمن في علم الله تعالى . ثبتت طائفة منهم على دين عيسى حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به ، وطائفة منهم رجعوا عن دين عيسى وهم الذين فسقهم الله . وقال محمد بن كعب : كانت الصحابة بمكة مجدبين ، فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة ، ففتروا عما كانوا فيه ، فقست قلوبهم ، فوعظهم الله فأفاقوا . وذكر ابن المبارك : أخبرنا مالك بن أنس ، قال : بلغني أن عيسى عليه السلام قال لقومه : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فتقسو قلوبكم ، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون . ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا فيها - أو قال في ذنوبكم - كأنكم عبيد ، فإنما الناس رجلان : معافى ومبتلى ، فارحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله على العافية . وهذه الآية ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله كانت سبب توبة الفضيل بن عياض وابن المبارك رحمهما الله تعالى . ذكر أبو المطرف عبد الرحمن بن مروان القلانسي قال : حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق ، قال حدثنا علي بن يعقوب الزيات ، قال حدثنا إبراهيم بن هشام ، قال حدثنا زكريا بن أبي أبان ، قال حدثنا الليث بن الحارث قال حدثنا الحسن بن داهر ، قال سئل عبد الله بن المبارك عن بدء زهده قال : كنت يوما مع إخواني في بستان لنا ، وذلك حين حملت الثمار من ألوان الفواكه ، فأكلنا وشربنا حتى الليل فنمنا ، وكنت مولعا بضرب العود والطنبور ، فقمت في بعض الليل فضربت بصوت يقال له راشين السحر ، وأراد سنان يغني ، وطائر يصيح فوق رأسي على شجرة ، والعود بيدي لا يجيبني إلى ما أريد ، وإذا به ينطق كما ينطق الإنسان - يعني العود الذي بيده - ويقول : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق قلت : بلى والله ! وكسرت العود ، وصرفت من كان عندي ، فكان هذا أول زهدي وتشميري . وبلغنا عن الشعر الذي أراد ابن المبارك أن يضرب به العود :
ألم يأن لي منك أن ترحما وتعص العواذل واللوما
وترثي لصب بكم مغرم أقام على هجركم مأتما
يبيت إذا جنه ليله يراعي الكواكب والأنجما
وماذا على الصب لو أنه أحل من الوصل ما حرما
وأما الفضيل بن عياض فكان سبب توبته أنه عشق جارية فواعدته ليلا ، فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع قارئا يقرأ : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله فرجع القهقرى وهو يقول : بلى والله قد آن ، فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعة من السابلة ، وبعضهم يقول لبعض : إن فضيلا يقطع الطريق . فقال الفضيل : أواه أراني بالليل أسعى في معاصي الله ، قوم من المسلمين يخافونني ! اللهم إني قد تبت إليك ، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features