عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3)

ثم قال : عاملة ناصبة فهذا في الدنيا ; لأن الآخرة ليست دار عمل . فالمعنى : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا ( خاشعة ) في الآخرة . قال أهل اللغة : يقال للرجل إذا دأب في سيره : قد عمل يعمل عملا . ويقال للسحاب إذا دام برقه : قد عمل يعمل عملا . وذا سحاب عمل . قال الهذلي :
حتى شآها كليل موهنا عمل باتت طرابا وبات الليل لم ينم
ناصبة أي تعبة . يقال : نصب ( بالكسر ) ينصب نصبا : إذا تعب ، ونصبا أيضا ، وأنصبه غيره . فروى الضحاك عن ابن عباس قال : هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية الله - عز وجل - ، وعلى الكفر مثل عبدة الأوثان ، وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم ، لا يقبل الله - جل ثناؤه - منهم إلا ما كان خالصا له . وقال سعيد عن قتادة : عاملة ناصبة قال : تكبرت في الدنيا عن طاعة الله - عز وجل - ، فأعملها الله وأنصبها في النار ، بجر السلاسل الثقال ، وحمل الأغلال ، والوقوف حفاة عراة في العرصات ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . قال الحسن وسعيد بن جبير : لم تعمل لله في الدنيا ، ولم تنصب له ، فأعملها وأنصبها في جهنم . وقال الكلبي : يجرون على وجوههم في النار . وعنه وعن غيره : يكلفون ارتقاء جبل من حديد في جهنم ، فينصبون فيها أشد ما يكون من النصب ، بمعالجة السلاسل والأغلال والخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل ، وارتقائها في صعود من نار ، وهبوطها في حدور منها إلى غير ذلك من عذابها . وقاله ابن عباس . وقرأ ابن محيصن وعيسى وحميد ، ورواها عبيد عن شبل . عن ابن كثير ناصبة بالنصب على الحال . وقيل : على الذم . الباقون ( بالرفع ) على الصفة أو على إضمار مبتدأ ، فيوقف على خاشعة . ومن جعل المعنى في الآخرة ، جاز أن يكون خبرا بعد خبر عن وجوه ، فلا يوقف على خاشعة . وقيل : عاملة ناصبة أي عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة . وعلى هذا يحتمل وجوه يومئذ عاملة في الدنيا ، ناصبة في الآخرة ، خاشعة . قال عكرمة والسدي : عملت في الدنيا بالمعاصي .
وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم : هم الرهبان أصحاب الصوامع وقاله ابن عباس . وقد تقدم في رواية الضحاك عنه . وروى عن الحسن قال : لما قدم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الشام أتاه راهب شيخ كبير متقهل ، عليه سواد ، فلما رآه عمر بكى . فقال له : يا أمير المؤمنين ، ما يبكيك ؟ قال : هذا المسكين طلب أمرا فلم يصبه ، ورجا رجاء فأخطأه ، - وقرأ قول الله - عز وجل - وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة . قال الكسائي : التقهل : رثاثة الهيئة ، ورجل متقهل : يابس الجلد سيئ الحال ، مثل المتقحل . وقال أبو عمرو : التقهل : شكوى الحاجة . وأنشد :
لعوا إذا لاقيته تقهلا
والقهل : كفران الإحسان . وقد قهل يقهل قهلا : إذا أثنى ثناء قبيحا . وأقهل الرجل تكلف ما يعيبه ودنس نفسه . وانقهل ضعف وسقط قاله الجوهري . وعن علي - رضي الله عنه - أنهم أهل حروراء يعني الخوارج الذين ذكرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية . . . " الحديث .
عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3)

وقوله: ( عَامِلَةٌ ) يعني: عاملة في النار. وقوله: ( ناصِبَةٌ ) يقول: ناصبة فيها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ) فإنها تعمل وَتَنْصَب من النار.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن، قرأ: ( عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ) قال: لم تعمل لله في الدنيا، فأعملها في النار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ) تكبرت في الدنيا عن طاعة الله، فأعملها وأنصبها في النار.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ) قال: عاملة ناصبة في النار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ) قال: لا أحد أنصَبُ ولا أشدّ من أهل النار.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features