وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36)

قوله تعالى : وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا أي كم أهلكنا يا محمد قبل قومك من أمة هم أشد منهم بطشا وقوة .
فنقبوا في البلاد هل من محيص أي ساروا فيها طلبا للمهرب . وقيل : أثروا في البلاد ; قاله ابن عباس . وقال مجاهد : ضربوا وطافوا . وقال النضر بن شميل : دوروا . وقال قتادة : طوفوا . وقال المؤرج : تباعدوا ; ومنه قول امرئ القيس : وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب ثم قيل : طافوا في أقاصي البلاد طلبا للتجارات ، وهل وجدوا من الموت محيصا ؟ . وقيل : طوفوا في البلاد يلتمسون محيصا من الموت . قال الحارث بن حلزة : نقبوا في البلاد من حذر المو ت وجالوا في الأرض كل مجال وقرأ الحسن وأبو العالية : " فنقبوا " بفتح القاف وتخفيفها . والنقب هو الخرق والدخول في الشيء . وقيل : النقب الطريق في الجبل ، وكذلك المنقب والمنقبة ; عن ابن السكيت . ونقب الجدار نقبا ، واسم تلك النقبة نقب أيضا ، وجمع النقب النقوب ; أي خرقوا البلاد وساروا في نقوبها . وقيل : أثروا فيها كتأثير الحديد فيما ينقب . وقرأ السلمي يحيى بن يعمر " فنقبوا " بكسر القاف والتشديد على الأمر بالتهديد والوعيد ; أي طوفوا البلاد وسيروا فيها فانظروا هل من الموت محيص ومهرب ; ذكره الثعلبي . وحكى القشيري " فنقبوا " بكسر القاف مع التخفيف ; أي أكثروا السير فيها حتى نقبت دوابهم . الجوهري : ونقب البعير بالكسر إذا رقت أخفافه ، وأنقب الرجل ، إذا نقب بعيره ، ونقب الخف الملبوس أي تخرق . والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حيصا وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا ; أي عدل وحاد . يقال : ما عنه محيص أي محيد ومهرب . والانحياص مثله ; يقال للأولياء : حاصوا عن العدو وللأعداء انهزموا .
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36)

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
وقوله ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ) يقول تعالى ذكره: وكثيرا أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش من القرون,( هُمْ أَشَدَّ ) من قريش الذين كذّبوا محمدا( بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ ) يقول: فَخَرَّقُوا (1) البلادَ فساروا فيها, فطافوا وتوغَّلوا إلى الأقاصي منها; قال امرؤ القَيس:
لقَــدْ نَقَّبْــتُ فِـي الآفـاقِ حـتَّى
رَضِيــتُ مِــنَ الغَنِيمَـةِ بالإيـاب (2)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس ( فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ ) قال: أثَّروا.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ ) قال: يقول: عملوا في البلاد ذاك النقْب.
* ذكر من قال ذلك:
وقوله ( هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ) يقول جلّ ثناؤه: فهل كان لهم بتنقبهم في البلاد من معدل عن الموت; ومَنْجي من الهلاك إذ جاءهم أمرنا.
وأضمرت كان في هذا الموضع, كما أضمرت في قوله وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ بمعنى: فلم يكن لهم ناصر عند إهلاكهم. وقرأت القرّاء قوله ( فَنَقَّبُوا ) بالتشديد وفتح القاف على وجه الخبر عنهم. وذُكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك ( فَنَقِبُوا ) بكسر القاف على وجه التهديد والوعيد: أي طوّفوا في البلاد, وتردّدوا فيها, فإنكم لن تفوتونا بأنفسكم.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( مِنْ مَحِيصٍ ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ )... حتى بلغ ( هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ) قد حاص الفَجرة فوجدوا أمر الله مُتَّبِعا.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله ( فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ) قال: حاص أعداء الله, فوجدوا أمر الله لهم مُدْرِكا.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ) قال: هل من منجي.
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36)

قوله - عز وجل - : ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد ) ضربوا وساروا وتقلبوا وطافوا ، وأصله من النقب ، وهو الطريق كأنهم سلكوا كل طريق ( هل من محيص ) فلم يجدوا محيصا من أمر الله . وقيل : " هل من محيص " مفر من الموت ؟ فلم يجدوا [ منه مفرا ، وهذا إنذار ] لأهل مكة وأنهم على مثل سبيلهم لا يجدون مفرا عن الموت يموتون ، فيصيرون إلى عذاب الله .
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36)

يقول تعالى -مخوفًا للمشركين المكذبين للرسول:- { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ } أي: أمما كثيرة هم أشد من هؤلاء بطشًا أي: قوة وآثارًا في الأرض.
ولهذا قال: { فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ } أي: بنوا الحصون المنيعة والمنازل الرفيعة، وغرسوا الأشجار، وأجروا الأنهار، وزرعوا، وعمروا، ودمروا، فلما كذبوا رسل الله، وجحدوا آيات الله، أخذهم الله بالعقاب الأليم، والعذاب الشديد، فـ { هَلْ مِنْ مَحِيصٍ } أي: لا مفر لهم من عذاب الله، حين نزل بهم، ولا منقذ، فلم تغن عنهم قوتهم، ولا أموالهم، ولا أولادهم.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features