فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10)

فسنيسره أي نسهل طريقه . للعسرى أي للشر . وعن ابن مسعود : للنار . وقيل : أي فسنعسر عليه أسباب الخير والصلاح حتى يصعب عليه فعلها . وقد تقدم أن الملك ينادي صباحا ومساء : اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا . رواه أبو الدرداء .
مسألة : قال العلماء : ثبت بهذه الآية وبقوله : ومما رزقناهم ينفقون ، وقوله : الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية إلى غير ذلك من الآيات - أن الجود من مكارم الأخلاق ، والبخل من أرذلها . وليس الجواد الذي يعطي في غير موضع العطاء ، ولا البخيل الذي يمنع في موضع المنع ، لكن الجواد الذي يعطي في موضع العطاء ، والبخيل الذي يمنع في موضع العطاء ، فكل من استفاد بما يعطي أجرا وحمدا فهو الجواد . وكل من استحق بالمنع ذما أو عقابا فهو البخيل . ومن لم يستفد بالعطاء أجرا ولا حمدا ، وإنما استوجب به ذما فليس بجواد ، وإنما هو مسرف مذموم ، وهو من المبذرين الذين جعلهم الله إخوان الشياطين ، وأوجب الحجر عليهم . ومن لم يستوجب بالمنع عقابا ولا ذما ، واستوجب به حمدا ، فهو من أهل الرشد ، الذين يستحقون القيام على أموال غيرهم ، بحسن تدبيرهم وسداد رأيهم .
قال الفراء : يقول القائل : كيف قال : فسنيسره للعسرى ؟ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله - عز وجل - : فبشرهم بعذاب أليم ، والبشارة في الأصل على المفرح والسار ، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر ، جاءت البشارة فيهما . وكذلك التيسير في الأصل على المفرح ، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر ، جاء التيسير فيهما جميعا . قال الفراء : وقوله تعالى : فسنيسره : سنهيئه . والعرب تقول : قد يسرت الغنم : إذا ولدت أو تهيأت للولادة . قال :
[ إن لنا شيخين لا ينفعاننا غنيين لا يجدي علينا غناهما ] هما سيدانا يزعمان وإنما
يسوداننا أن يسرت غنماهما
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10)

{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } أي: للحالة العسرة، والخصال الذميمة، بأن يكون ميسرًا للشر أينما كان، ومقيضًا له أفعال المعاصي، نسأل الله العافية.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10)

"فسنيسره للعسرى" سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه حتى يعمل بما لا يرضي الله ، فيستوجب به النار . قال مقاتل : نعسر عليه أن يأتي خيرا .
وروينا عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من نفس منفوسة إلا [ كتب الله ] مكانها من الجنة أو النار " فقال رجل : أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال : " لا ولكن اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء ، وأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة " ، ثم تلا " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى " .
قيل : نزلت في أبي بكر الصديق اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة وعشرة أواق ، فأعتقه فأنزل الله تعالى : " والليل إذا يغشى " إلى قوله : " إن سعيكم لشتى " يعني : سعي أبي بكر وأمية .
وروى علي بن حجر عن إسحاق عن أبي نجيح عن عطاء ، قال : كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار يسقط من بلحها في دار جاره ، وكان صبيانه يتناولون منه ، فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " بعنيها بنخلة في الجنة " فأبى ، فخرج فلقيه أبو الدحداح ، فقال له : هل لك أن تبيعها بحش [ البستان ] ، يعني حائطا له ، فقال له : هي لك ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله أتشتريها مني بنخلة في الجنة ؟ قال : " نعم " قال : هي لك ، فدعا ‌النبي - صلى الله عليه وسلم - جار الأنصاري فقال : " خذها " . فأنزل الله تعالى : " والليل إذا يغشى " إلى قوله : " إن سعيكم لشتى " [ سعي أبي ] الدحداح والأنصاري صاحب النخلة .
( فأما من أعطى واتقى ) [ يعني أبا ] الدحداح ، ( وصدق بالحسنى ) [ الثواب ] ( فسنيسره لليسرى ) يعني الجنة ، ( وأما من بخل واستغنى ) يعني الأنصاري ، ( وكذب بالحسنى ) يعني الثواب ، ( فسنيسره للعسرى ) يعني النار .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features